﴿قل﴾ لهم يا محمد :﴿صدق الله﴾ فيما أنزل، وكذبتم فيما قلتم، فتبين أن ملة إبراهيم هي الإسلام الذي جاء به محمد ﷺ فأسلموا، واتبعوا ﴿ملة إبراهيم حنيفاً﴾، فإن ملة الإسلام موافقة لملة إبراهيم، أو عينُها، فادخلوا فيه وتخلصوا من اليهودية التي اضطرتكم إلى التحريف والمكابرة، وألزمَتْكُم تحريمَ طيباتٍ أحلها الله لإبراهيم ومن تبعه،
٣٤٧
وقد خالفتم التوراة التي زعمتم أنكم متمسكون بها، وأشركتم مع الله عزيراً وغيره، وقد كان إبراهيم حنيفاً مسلماً ﴿وما كان من المشركين﴾.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٤٧
قال البيضاوي : فيه إشارة إلى أن اتَّبَاعَهُ - أي : إبراهيم - واجبٌ في التوحيد الصرف والاستقامةِ في الدين، والتجنب عن الإفراط والتفريط، وتعريض بشرك اليهود. هـ. الإشارة : إذا تحقق للفقير الإخلاص، وحصل على التوحيد الخاص، كان الطعام كله حلالاً له، لأنه يأخذه بالله، ويتناوله من يد الله ويدفعه لله، مع موافقة الشريعة، ولم يغض من أنوار الطريقة ؛ بحيث لا يصحبه شرهٌ ولا طمعٌ. وكان عبد الله بن عمر يقول : كُلْ ما شئت، والبَسْ ما شئت، ما أخطأتك خصلتان : سرف أو مخيلة. هـ.
وإنما امتنعت العباد والزهَّادُ من تناول الشهوات المباحات خوفاً على أنفسهم أن تجمح بهم إلى تناول أسبابهما، فتعطلهم عن العبادة، وكذلك المريدون السائرون، ينبغي لهم التقلل من تناولها ؛ لئلا يتعلق قلبهم بشيء منها، فتعطلهم عن السير، وأما الواصلون العارفون، فقد تحقق فناؤهم وبقاؤهم، فهم يأخذون بالله من يد الله، كما تقدم. والحاصل : أن النفس ما دامت لم تُسلم ولم تنقد إلى مشاهدة ربها، وجب جهادها ومخالفتها، فإذا أسلمت وانقادت إلى ربها، وجب الصلح معها وموافقتها فيما يتجلى فيها، والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon