فيه آيات بينات} واضحات، منها : الحجر الذي هو ﴿مقام إبراهيم﴾، وهو الذي قام عليه حين رفع القواعد من البيت، فكان كلما طال البناء ارتفع به الحجر في الهواء، حتى أكمل البناء، وغرقت فيه قدمه كأنه طين، ومنها : أن الطير لا تعلوه، ومنها : إهلاك أهل الفيل وردُّ الجبابرة عنه، ونبع زمزم لهاجر بهمز جبريل عليه السلام، وحفر عبد المطلب لها بعد دُثُورها، وأن ماءها ينفع لما شُرب له، ﴿ومن دخله كان آمناً﴾ من العقاب في الدارين ؛ لدعاء الخليل :﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ ءَامِناً﴾ [إبراهيم : ٣٥]، فكان في الجاهلية كل من فعل جريمةً، ثم لجأ إليه لا يُهَاج ولا يعاقب ما دام به، وأما في الإسلام فإن الحرم لا يمنع من الحدود ولا من القصاص، وقال أبو حنيفة : الحكم باق، وإن من وجب عليه حد أو قصاص فدخل الحرم لا يهاج، ولكن يُضيَّق عليه، فلا يطعم ولا يباع له حتى يخرج. قال - عليه الصلاة والسلام :" مَنْ مَاتَ في أحد الحرمين بعثه اللّهُ من الآمنين " وقال أيضاً :" مَنْ حَجَّ هذَا البَيْتَ - فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، خَرَجَ من ذَنُوبِه كَيَوْمِ وَلَدتهُ أُمُّه ". ﴿ولله على الناس حج البيت﴾ فرض عين على ﴿من استطاع إليه سبيلاً﴾ بالقدرة على الوصول بصحة البدن، راجلاً أو راكباً مع الزاد المُبلِّغ، والأمن على النفس والمال والدين. وقيل : الاستطاعة : الزاد والراحة. ﴿ومن﴾ تركه، و ﴿كفر﴾ به، كاليهود
٣٤٩
والنصارى، وكل من جحده، ﴿فإن الله غني﴾ عنه، و ﴿عن﴾ حجه، وعن جميع ﴿العالمين﴾، أو عبر بالكفر عن الترك، تغليظاً كقوله :" مَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ فَقَدْ كَفَر " رُوِيَ أنه - عليه الصلاة والسلام - لما نزل صدر الآية - جمع أرباب الملل، فخطبهم، وقال :" إن الله كتب عليكم الحج فحجوا "، فآمنت به ملة واحدة، وكفرت به خمس ملل، فنزل ﴿ومن كفر...﴾ الخ.


الصفحة التالية
Icon