ثم قال لهم :﴿وكنتم على شفا حفرة من النار﴾ أي : مُشرفين على نار جهنم، إذ لو أدرككم الموت لوقعتم في النار، ﴿فأنقذكم﴾ الله ﴿منها﴾ برسوله - عليه الصلاة والسلام - : رُوِيَ أن أعرابيّاً سمع ابن عباس يقرأ هذه الآية، فقال الأعرابي : والله ما أنقذهم منها وهو يريد أن يوقعهم فيها، فقال ابن عباس رضي الله عنه خذوها من غير فقيه. هـ. ﴿كذلك يبين الله لكم آياته﴾ أي : مثل هذا النبيين ﴿يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون﴾ إلى الخير، وتزيدون ثباتاً فيه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٥٣
الإشارة : المذاهب كلها وقع فيها الاختلاف والتفرق في الأصول والفروع، إلا مذاهب الصوفية فكلها متفقة بداية ونهاية، إذ بدايتهم مجاهدة، ونهايتهم مشاهدة، وإلى ذلك أشار في المباحث، حث قال :
مذاهبُ الناسِ على اخْتلاف
ومَذْهَبُ القَوْمِ على ائْتِلاَف
وإن وقع الاختلاف في بعض الطرق الموصلة إلى المقصود، فقد اتفقت في النهاية، بخلاف أهل الظاهر، لا تجدهم يتفقون إلا في مسائل قليلة، لأن مذهبهم مبني على غلبة الظن، ومذهب القوم مبني على التحقيق ذوقاً وكشفاً، وكذلك ائتلفت أيضاً قلوبهم وأرواحهم، إذ كلهم متخلقون بالشفقة والرأفة والمودة والألفة والصفا ؛ لأنهم دخلوا الجنة - أعني جنة المعارف - فتخلقوا بأخلاق أهل الجنة، قال تعالى :﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾ [الحِجر : ٤٧]، فيقال لهم بعد الفتح : واذكروا نعمة الله عليكم، إذ كنتم أعداء قبل اتصالكم بالطبيب، فألف بين قلوبكم، فأصبحتم بنعمته أخواناً متحابين، وكنتم على شفا حفرة من نار القطيعة والحجاب ﴿فأنقذكم منها﴾. مثل هذا البيان يوضح الله آياته، أي : تجلياته، لعلكم تهتدون إلى مشاهدة ذاته في أنوار صفاته. والله تعالى أعلم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٥٣
٣٥٤


الصفحة التالية
Icon