قلت :(مِنْ) : للتبعيض ؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فُروض الكفاية ؛ إذ لا يصلح له كُلُّ أحد، أو للبيان، أي ؛ كونوا أمة تأمرون بالمعروف، كقوله :﴿كُنتُمْ خَيْرُ أُمَةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [آل عِمرَان : ١١٠] الخ، و ﴿يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾ عطف على الخبر، من عطف الخاص على العام ؛ للإيذان بفضله.
﴿يقول الحقّ جلّ جلاله﴾ :﴿ولتكن منكم﴾ يا أمة محمد ﷺ ﴿أمة﴾ أي : طائفةً ﴿يدعون إلى الخير﴾، وهو كل ما فيه صلاحٌ ديني، أو دنيوي إذ كان يؤول إلى الديني، أو صلاح قلبي أو روحاني، ﴿ويأمرون بالمعروف﴾ وهو ما يستحسنه الطبع ويرتضيه الشرع، ﴿وينهون عن المنكر﴾ وهو كل ما ينكره الطبعُ السليم والشرع المستقيم، فمن فعل ذلك فأولئك ﴿هم المفلحون﴾ المخصوصون بكمال الفلاح.
رُوِيَ عنه عليه الصلاة والسلام : أنه سئل مَنْ خير الناس ؟ فقال :" آمرُهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر، وأتقاهم الله، وأوصلهم للرحم " وقال أيضاً :" مَنْ أمَرَ بالمَعْروفِ ونَهَى عَنِ المُنْكَرِ كان خَلِيفَةَ اللّهِ في أرْضِهِ وخَلِيفَةَ رَسُولِه وخَلِيفَةَ كِتَابِه " وقال عليّ رضي الله عنه :(أفضل الجهاد : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشنئان الفاسقين - أي بغضهم - فمن أمر بالمعروف شدَّ ظهرَ المؤمن، ومن نهى عن المنكر أرْغَمَ أنف المنافق، ومن شَنَأَ الفاسقين وغَضب لله غَضبَ الله له). وقال أبو الدرداء :(لتأمُرُن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليُسلطن الله عليكم سلطاناً ظالماً، لا يُجِلُّ كبيركم، ولا يرحم صغيركم، ويدعو عليه خيارُكم فلا يستجاب لهم، ويَسْتنصِرون فلا يُنصرون، ويستغفرون فلا يغفر لهم). وقال حذيفة :(يأتي على الناس زمان لأن تكون فيه جيفة حمار، أحب إليهم من مؤمنٍ يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر).