وللمتصدِّي له شروط : العلم بالأحكام، ومراتب الاحْتِسَاب وكيفية إقامتها، والتمكن من القيام بها، ولذلك خاطب الحق تعالى الجميع، وطلب فعل بعضهم، إذ لا يصلح للقيام به إلا البعض، كما هو شأن فرض الكفاية، إذ هو واجب على الكل، بحيث لو تركوه لعوقبوا جميعاً، لكنه يسقط بفعل البعض.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٥٤
والأمر بالمعروف يكون واجباً ومندوباً، على حسب ما يأمر به، والنهي عن المنكر واجب كله ؛ لأن جميع ما أنكره الشرع حرام. وأما المكروه فليس بمنكر، فيستحب الإرشاد إلى تركه. والأظهر أن العاصي يجب أن ينهى عما يرتكبه هو ؛ لأنه يجب عليه تركه، فلا يسقط بترك أحدهما وجوب الآخر. وقد قال عليه الصلاة والسلام :" مُرُوا بالمَعْرُوفِ وإن لَمْ تَعمَلُوا بِكُلِّهِ، وانْهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وإنْ لم تَنْتَهُوا عنه كُلهُ ". الإشارة :﴿ولتكن منكم أمة﴾ أي : طائفة ينهض حالهم ويدلُّ على الله مقالهم، يدعون إلى الخير العظيم، وهو شهود ذات السميع العليم، ويأمرون بالمعروف بالهمة
٣٥٥
العلية، وينهون عن المنكر بالحال القوية، فكلُّ من رآهم بالصفا ائتمر وانتهى، وكل من صحبهم بالوفاء أخذ حظه من الغنى بالمكيال الأوفى، إن لله رجالاً من نظر إليهم سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً، فهؤلاء يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بالحال دون المقال. يُحكى أن بعض الشيوخ مرَّ مع أصحابه بقوم يشربون الخمر تحت شجرة فأراد أصحابه أن يُغيروا عليهم، فقال لهم : إن كنتم رجالاً فَغِيرُوا عليهم بحالكم دون مقالكم، فتوجهوا إلى الله بهممهم، فإذا القوم قد كسروا الأواني، وجاءوا إلى الشيخ تائبين. وكذلك قضية معروف الكرخي مع أصحاب السفينة، الذي كانوا مشتغلين باللهو واللعب، فقال له أصحابه : ادع عليهم، فقال : اللهم كما فرَّحتَهم في الدنيا ففرِّحْهُم في الآخرة، فتابوا على يده جميعاً. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق.