قال الحق تعالى في الرد عليهم وتقبيح رأيهم :﴿أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ﴾ لا غيرهم، حيث تركوا ما هو السبب في الفوز العظيم بالنعيم المقيم، وارتكبوا ما استوجبوا به الخلود في الدرك الأسفل من الجحيم ﴿وَلَكَن لاَّ يَعْلَمُونَ﴾، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ [الشُّعَراء : ٢٢٧]، عبَّر الحق في هذه الآية بـ ﴿لا يعلمون﴾ وفي الأولى بـ ﴿لاَ يَشْعُرُونَ﴾ [الأعرَاف : ٩٥] ؛ لأن الفساد في الأرض يدرك بأدنى شعور، بخلاف الإيمان والتمييز بين الحق والباطل ؛ فيحتاج إلى زيادة تفكر واكتساب علم. والله تعالى أعلم.
الإشارة : وإذا قيل لأهل الإنكار على أهل الخصوصية، القاصدين مشاهدة عظمة الربوبية، قد تجرّدوا عن لباس العز والاشتهار، ولبسوا أطمار الذل والافتقار، آمنوا بطريق هؤلاء المخصوصين، وادخلوا معهم كي تكونوا من المقربين. قالوا :﴿أنؤمن كما آمن السفهاء﴾ ونترك ما نحن عليه من العز والكبرياء، قال الله تعالى في تسفيه رأيهم وتقبيح شأنهم :﴿ألا إنهم هم السفهاء﴾ ؛ حيث تعززوا بعز يفنى، وتركوا العز الذي لا يفنى، قال الشاعر :
تَذَلَّلْ لِمَنْ تَهْوَى لِتَكْسِبَ عِزَّةً
فَكَمْ عِزَّةً قَدْ نَالَهَا المَرْءُ بِالذُّلِّ
إذَا كانَ مَنْ تَهْوَى عَزِيزاً، ولم تكُنْ
ذَلِيلاً لَهُ، فَاقْرَ السَّلامَ عَلَى الوَصْلِ
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٠
فلو علموا ما في طيّ الذل من العز، وما في طي الفقر من الغنى، لجالدوا عليه بالسيوف، ولكن لا يعلمون.
٦٠
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٠
قلت : اللقاء : المصادفة بلا قصد، والخلو بالشيء أو معه : الانفراد به، ضمنه هنا معنى رجع، ولذلك تعدَّى بإلى، و(الشيطان) فَيْعَالٌ، من شَطَنَ، إذا بعد، أو فَعْلاَن من شاط، إذا بطل، والاستهزاء بالشيء : الاستخفاف بحقه، والعَمَهُ في البصيرة كالعمى في البصر.