يقول الحقّ جلّ جلاله : في وصف المنافقين تقريراً لنفاقهم : إنهم كانوا ﴿إذَا لَقُوا﴾ الصحابة أظهروا الإيمان، وإذا رجعوا ﴿إلَى شَيَاطِينِهِمْ﴾ أي : كبرائهم المتمردين في الكفر والطغيان، ﴿قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ﴾ لم نخرج عن ديننا ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ بهم، ومستسخرون بشأنهم، نزلت في عبد الله بن أُبَيّ - رأس المنافقين - كان إذا لقي سعداً قال : نعم الدين دين محمد، وإذا خلا برؤساء قومه من أهل الكفر، شدوا أيديكم على دين آبائكم.
وخرج ذات يوم مع أصحابه فاستقبلهم نفر من الصحابة - رضوان الله عليهم - فقال عبدُ الله لأصحابه : انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم، فأخذ بيد أبي بكر رضي الله عنه فقال : مرحباً بالصدِّيق سيد بني تيم، وشيخ الإسلام، وثاني رسول الله ﷺ في الغار، الباذل نفسه وماله لرسول الله ﷺ، ثم أخذ بيد عمر، فقال : مرحباً بسيد بني عدي بن كعب، الفاروق، القوي في دين الله، الباذل نفسه وماله لرسول الله ﷺ، ثم أخذ بيد عَلِيّ ؛ فقال : مرحباً بابن عم رسول الله ﷺ وخِتِنِه، سيد بني هاشم، ما وعد رسول الله ﷺ، فقال عليّ رضي الله عنه : يا عبد الله، اتق الله ولا تنافق، فإن المنافقين شرُّ خليقة الله، فقال عبد الله : مهلاً يا أبا الحسن، أنى تقول هذا ؟ والله إن إيماننا كإيمانكم، وتصديقنا كتصديقكم، فنزلت الآية.
ثم ردّ الله تعالى عليهم فقال :﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ أي : يفعل بهم فعل المستهزئ ؛ بأن يفتح لهم باباً إلى الجنة وهم في النار، ويطلع المؤمنين عليهم، فيقول لهم : ادخلوا الجنة، فإذا جاءوا يستبقون إليها وطمعوا في الدخول، سُدَّتْ عليهم ورجعوا إلى النار، ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ﴾ [المطفّفِين : ٣٤] الآية.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦١