وَيَمُدُّهُمْ} أي : يمهلهم ﴿فِي﴾ كفرهم، و ﴿طُغْيَانِهِمْ﴾ يتحيرون إلى يوم يبعثون ؛ لأنهم
٦١
﴿اشْتَرُوا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى﴾ أي : استبدلوا بها رأس مالهم، فضلاً عن الربح، إذ الإيمان رأس المال، وأعمال الطاعات ربح، فإذا ذهب الرأس فلا ربح ؛ ولذلك قال تعالى :﴿فَمَا رَبِحَت تِجَارَتُهُمْ﴾، بل خسرت صفقتهم، ﴿وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ إلى أسباب الربح أبداً، لاستبدالهم الهدى - التي هي رأس المال - بالضلالة - التي هي سبب الخسران. وبالله التوفيق.
وها هنا استعارات وبلاغات يطول سردها، إذ مرادنا تربية اليقين بكلام رب العالمين. الإشارة : الناس في طريق الخصوص على أربعة أقسام :
قسم : سبقت لهم من الله العناية، وهبت عليهم ريح الهداية : فصدقوا ودخلوا فيها، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيل الله، فَتَجِرُوا فيه وربحوا، فعوّضهم الله تعالى جنة المعارف، يتبوؤون منها حيث شاءوا، فإذا قدموا عليه أدخلهم جنة الزخارف، يسرحون فيها حيث شاءوا، وأتحفهم فيها بالنظر إلى وجهه الكريم.
وقسم : سبقت لهم من الله الهداية، وحفتهم الرعاية، فصدقوا وأقروا، ولكنهم ضعفوا عن الدخول، ولم تتعلق همتهم بالوصول، فبقوا في ضعفاء المسلمين ﴿لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ...﴾ [التّوبَة : ٩١].
وقسم : أنكروا وأظهروا وجحدوا وكفروا، فتجروا وخسروا، " مَنْ عَادَى لي وَلِياً فقَد آذنْتُهُ بالْحَربِ ".