والطريق الموصلة إليها محفوفة بالمكاره، مشروطة بقتل النفوس وحط الرؤوس، ودفع العلائق، والفرا من العوائق. فإذا قيل للعوام : قاتلوا أنفسكم في سبيل الله لتدخلوا حضرة الله، ادفعوا عن أنفسكم العلائق لتشرق عليكم أنوار الحقائق، قالوا : قد انقطع هذا الطريق واندرست أرباب علم التحقيق، ولو نعلم قتالاً بقي يُوصلنا إلى ربنا، كما زعمتم ؛ لاتبعناكم ودخلنا في طريقكم. وهم للكفر يومئذ أقرب للإيمان، حيث تحكموا على القدرة الأزلية، وسدوا باب الرحمة الإلهية، وإنما يقولون ذلك احتجاجاً لنفوسهم، وأبقاء على حظوظهم، وليس ذلك من خالص قلوبهم، يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.
وإذا نزل بأهل النسبة نكبة أو بلية، قالوا لأخوانهم، الذين دخلوا في طريق القوم، وقد قعدوا هُم مع العوام : لو أطاعونا ولم يدخلوا في هذا الشأن، ما قتلوا أو عذبوا، فقل لهم أيها الفقير : القضاء والقدر يجري على الجميع، فادفعوا عن أنفسكم ما تكرهون، إن كنتم صادقين أن المكاره لا تصيب إلا من توجه لقتال نفسه. والله تعالى. أعلم بأسرار كتابه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٩٧
قلت :﴿ألاَّ خَوف عليهم﴾ : بدل من ﴿الذين لم يلحقوا﴾، أو مفعول لأجله، وكرر :﴿يستبشرون﴾ ؛ ليذكر ما تعلق به من الفضل والنعمة، أو : الأول بحال إخوانهم، وهذا بحال أنفسهم.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ولا تحسبن﴾ أيها الرسول، أو أيها السامع، ﴿الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل﴾ هم ﴿أحياء﴾ ؛ لأن الله تعالى جعل أرواحهم في حواصل طير خضر، يسرحون في الجنة حيث شاءوا عند ربهم، بالكرامة والزلفى، يُرزقون من ثمار الجنة ونعيمها، فحالهم حال الأحياء في التمتع بأرزاق الجنة، بخلاف سائر الأموات من المؤمنين ؛ فإنهم لا يتمتعون بالأرزاق حق يدخلوا الجنة. قاله ابن جزي.
٣٩٩
قلت : شهداء الملكوت - وهم العارفون - أعظم قدراً من شهداء السيوف، وراجع ما تقدم في سورة البقرة.


الصفحة التالية
Icon