﴿فرحين بما آتاهم الله من فضله﴾ من الكرامة والزلفى والنعيم الذي لا يفنى، ﴿ويسبشرون بالذين لم يلحقو بهم من خلفهم﴾ أي : بإخوانهم الذي لم يُقتلوا فيلحقوا بهم من بعدهم. وتلك البشارة هي :﴿ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾، أو من أجل ﴿ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾.
والحاصل : أنهم يستبشرون بما تبين لهم من الكرامة في الآخرة، وبحال من تركوا من خلفهم من المؤمنين، وهو أنهم إذا ماتوا أو قُتلوا، كانوا أحياء، حياة لا يدركها خوفُ وقوعِ محذور، ولا حزن فوات محبوب. فالآية تدل على أن الإنسان غير الهيكل المحسوس، بل هو جوهر مُدرِك بذاته، لا ينفى بخراب البدن، ولا يتوقف على وجود البدن إدراكه وتألمُه والتذاذه. ويؤيد ذلك قوله تعالى في آل فرعون :﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُواً وَعَشِيّاً﴾ [غَافِر : ٤٦]، وما رَوى ابنُ عباس من أنه ﷺ قال :" أرْواحُ الشهداء في أجْوافِ طَيْرِ خَضْرٍ، تَرِدُ أنْهارَ الجنّةِ، وتَأكُلُ منْ ثِمارِها، وتَأوِي إلى قَنَادِيلَ مُعلَّقةٍ في ظلِّ العَرشِ " - قال معناه البيضاوي.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٩٩
ولمّا ذكر استبشارهم بإخوانهم ذكر استبشارهم بما يخصهم فقال :﴿يستبشرون بنعمة من الله﴾ ؛ وهو ثواب أعمالهم الجسماني، ﴿وفضل﴾ وهو نعيم أرواحهم الروحاني، وهو النظر إلى وجهه الكريم، ويستبشرون أيضاً بكونه تعالى ﴿لا يضيع أجر المؤمنين﴾، ماتوا في الجهاد أو على فرشهم، حيث حسنت سريرتهم وكرمت علانيتهم، قال ﷺ :" إن لله عباداً يصرفهم عن القتل والزلازل والأسقام، يطيل أعمارهم في حسن العمل، ويحسن أرزاقهم، ويحييهم في عافية، ويميتهم في عافية على الفرش، ويعطيهم منازل الشهداء " قلت : ولعلهم العارفون بالله، جعلنا الله من خواصهم، وسلك بنا مسالكهم. آمين.