يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿الذين استجابوا لله والرسول﴾ فأطاعوه فيما ندبهم إليه من اللحوق بالمشركين، إرهاباً لهم، ﴿من بعد ما أصابهم القرح﴾ أي : الجرح، فتحاملوا على أنفسهم حتى ذهبوا مع نبيهم ﴿للذين أحسنوا منهم﴾ بأن فعلوا ما أمروا به، ﴿واتقوا﴾ الله في مخالفة أمر رسوله، ﴿أجر عظيم﴾ يوم يقدمون عليه.
الأشارة : الذين استجابوا لله فيما ندبهم من الوصول إلى حضرته، وللرسول فيما طلبهم به من اتباع سنته، فجعلوا قلوبهم محلاً لحضرته، وجوارحهم متبعة لشريعته، من بعد ما أصابهم في طلب الوصول إلى ذلك قرح وضرب وسجن وإهانة، فصبروا حتى ظفروا بالجمع بين الحقيقة والشريعة، للذين أحسنوا منهم بالثبات على السير إلى الوصول إلى الحق، واتقوا كل ما يردهم إلى شهود الفرق، أجر عظيم وخير جسيم، بالعكوف في الحضرة، والتنعم بالشهود والنظرة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٠٠
قلت : الموصول بدل من الموصول قبله، و ﴿يخوف﴾ : يتعدى إلى مفعولين ؛ للتضعيف، حذف الأول، أي : يخوفكم أوليائه من الكفار، أو حذف الثاني، أي : يخوف أولياءه القاعدين عن الخروج إلى ملاقاة العدو.
وهنا تفسيران : أحدهما : أن يكون من تتمة غزوة أحد، وهو الظاهر، ليتصل الكلام بما بعده، وذلك أن أبا سفيان لما هَمّ بالرجعة ليستأصل المسلمين، لقيه معبد الخزاعي، فقال له : إن محمداً خرج يطلبك في جمع لم أرَ مثله، فدخله الرعب، فلقيه ركب من عبد القيس يريد المدينة بالميرة، فقال لهم : ثبطوا محمداً عن لحوقنا، ولكم حمل بعير من الزبيب، فلما لقوا المسلمين خوفوهم، فقال :﴿حسبنا الله ونعم الوكيل﴾، ومضوا حتى بلغوا حمراء الأسد ثم رجعوا، فعلى هذا :


الصفحة التالية
Icon