يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿الذين قال لهم الناس﴾ وهم ركب عبد قيس حيث قالوا للمسلمين :﴿إن الناس﴾ يعني أبا سفيان ومن معه، ﴿قد جمعوا لكم﴾ ليرجعوا ليستأصلوكم ﴿فاخشوهم﴾ وارجعوا إلى دياركم ﴿فزادهم﴾ ذلك ﴿إيماناً﴾ ويقيناً وتثبيتاً في الدين، وهذا يدل على أن الإيمان يزيد وينقص، فيزيد بحسب التوجه إلى الله والتفرغ مما سواه، وينقص بحسب التوجه إلى الدنيا وشغبها، ويزيد أيضاً بالطاعة والنظر والاعتبار، وينقص بالمعصية والغفلة والاغترار.
ولما قال لهم الركب ذلك ؛ ليخوفهم، ﴿قالوا حسبنا الله﴾ أي : كافينا الله وحده، فلا نخاف غيره، ﴿ونعم الوكيل﴾ أي : نعم من يتوكل عليه العبد، وهي كلمة يدفع بها ما يخاف ويكره، وهي الكلمة التي قالها إبراهيم حين ألقي في النار، ﴿فانقلبوا﴾ راجيعن من حمراء الأسد، متلبسين ﴿بنعمة من الله﴾ وهي العافية والسلامة، ﴿وفضل﴾ وهي زيادة الإيمان وشدة الإيقان، ﴿لم يمسسهم سوء﴾ من جراحة وكيد عدو، ﴿واتبعوا رضوان الله﴾، الذي هو مناط الفوز بخير الدارين، ﴿والله ذو فضل عظيم﴾، فقد تفضل عليهم بالتثبيت وزيادة الإيمان، والتوفيق إلى المبادرة إلى الجهاد مع الرسول ﷺ الذي هو موجب الرضوان.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٠١
ثم حذَّرهم الحق تعالى ممن ثبّطهم عن اللحوق بالكافر، وهو ركب عبد القيس، تشبيهاً لهم بالشيطان، فقال :﴿إنما ذلكم الشيطان﴾ يخوفكم أولياءه من المشركين، أو ﴿يخوف أولياءه﴾ القاعدين من المنافقين ﴿فلا تخافوهم﴾ ؛ فإن أمرهم بيدي، ﴿وخافوا إن كنتم مؤمنين﴾ ؛ فإن الإيمان يقتضي إيثار خوف الله على خوف الناس.
٤٠٢


الصفحة التالية
Icon