فالصِّيَّب الذي نزل من السماء كِنَايةٌ عن الواردات والأحوال التي ترد على قلوب العارفين، ويظهر أثرها على جوارحهم، والظلمات التي فيها كناية عن اختفاء بعضها عن أهل الشريعة فينكرونها، والرعد كناية عن اللهج بذكر الله جهراً في المحافل والحلق، والبرق كناية عن العلوم الغريبة التي ينطقون بها والحجج التي يحتجون بها على الخصوم، فإذا سمعها العوام اشمأزت قلوبهم عن قبولها، فإذا وقع منهم إنصاف تحققوا صحتها فمالوا إلى جهتها، ومَشَوْا إلى ناحيتها، فإذا كَرَّت عليهم الخصوم قاموا منكرين، ولو شاء ربك لهدى الناس جميعاً ﴿وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ [هُود : ١١٨].
ولما ذكر الحق من تخلق بالإيمان ظاهراً وباطناً، ومن تحلّى به كذلك، ومن أخفى الكفر وأظهر الإيمان، دعا الكل إلى توحيده وعبادته.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٣
قلت : جملة الترجي حال من الواو في ﴿اعْبُدُوا﴾، أي : اعبدوا ربكم راجين أن تنخرطوا في سلك المتقين الفائزين بالهدي والفلاح، المستوجبين جوار الله تعالى، نبّه به على أن التقوى منتهى درجات السالكين ؛ وهو التبري من كل شيء سوى الله تعالى - إلى الله تعالى.
و ﴿الَّذي جَعَلَ﴾ صفة للرب، و ﴿فَلا تَجْعَلُوا﴾ معطوف على ﴿اعْبُدُوا﴾ على أنه نهي، أو منصوب بأن، جواب له، و(الأنداد) جمع نِدِّ، بكسر النون. وهو الشبه والمثل، و ﴿أَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ حال من ضمير ﴿فَلاَ تَجْعَلُوا﴾ أي : فلا تجعلوا لله أنداداً والحال أنكم من أهل العلم.