وبعدي عنك بقدر قربك من نفسك، فقد عرفتك الطريق، فاترك نفسك تصل إليَّ في خطرة واحدة، يا عبدي : كل ما جمعك علي فهو مني، وكل ما فرقك عني فهو منك، فجاهد نفسك تصل إليّ، وإني لغني عن العالمين، يا عبدي : إن منحتني نفسك رددتها إليك راضية مرضية، وإن تركتها عندك فهي أعظم بلية، فهي أعدى الأعادي إليك فجاهدها تَعُدْ بالفوائد إليك ". وفي بعض الآثار المروية عن الله تعالى :" يا عبدي : أنا بُدُّك اللازم فالزم بُدَّك ". ويمكن أن يشار بالأرض إلى أرض العبودية، وبالسماء إلى سماء الحقيقة، وبالسبع سماوات إلى سبع مقامات ؛ وهي الصبر والشكر والتوكل والرضى والتسليم والمحبة والمعرفة. والله تعالى أعلم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧١
ولما ذكر الخلق العالم العلوي والسفلي، ذكر كيفية ابتداء من عمَّر العالم السفليَّ من جنس الآدمي.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧١
لمّا أراد الله تعالى عمارة الأرض، بعد أن عمَّر السماوات بالملائكة، أخبر الملائكة بما هو صانع من ذلك ؛ تنويهاً بآدم وتشريفاً لذريته، وتعيماً لعباده أمر المشاورة، فقال لهم :﴿إنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ يخلفني في أرضي وتنفيذ أحكامي، ﴿قَالُوا﴾ على وجه الاستفهام، أو من الإدلال، إن كان من المقربين، بعد أن رأوا الجن قد أفسدوا وسفكوا الدماء :﴿أَتَجْعَلُ مَن يُفْسِدُ فِيهَا﴾، وشأن الخليفة الإصلاح، ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾، أي : نسبح ملتبسين بحمدك، ﴿ونُقَدِّسُ لَكَ﴾، أي : نطهر أنفسنا لأجلك، أو ننزهك عما لا يليق بجلال قدسك، فنحن أحق بالخلافة منهم.
قال الحقّ جلّ وعلا :﴿إنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ ؛ فإني أعلم أنه يكون منهم رسل وأنبياء وأولياء، ومن يكون مثلكم أو أعظم منكم، ولما ألقى الخليل في النار ضجت الملائكة وقال :" يا رب هذا خليلك يحرق بالنار ". فقال لهم :" إن استغاث بكم
٧٢