قال البيضاوي : اعلم أن هذه الآيات تدل على شرف الإنسان، ومزية العلم وفضله على العبادة، وأنه شرط في الخلافة، بل العمدة فيها، وأن التعليم يصح إطلاقه عليه تعالى، وإن لم يصح إطلاق المعلم عليه ؛ لاختصاصه بمن يحترف به، وأن اللغات توقيفية - عملها الله بالوحي -، وأن آدم عليه السلام أفضل من هؤلاء الملائكة ؛ لأنه أعلم منهم، والأعلم أفضل لقوله تعالى :﴿هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [الزُّمَر : ٩]، وأن الله يعلم الأشياء قبل حدوثها. هـ. باختصار.
وقال في تفسير الملائكة : إنهم أجسام لطيفة قادرة على التشكل، وهي منقسمة على قسمين : قسم شأنهم الاستغراق في معرفة الحق والتنزه عن الاشتغال بغيره، - وهم العليِّون، والملائكة المقربون - وقسم يدبرون الأمر من السماء إلى الأرض على ما ثبت به القضاء وجرى به القلم الإلهي، وهم المدبرات أمراً، فمنهم سماوية، ومنه أرضية. هـ. مختصراً.
الإشارة : اعلم أن الروح القائمة بهذا الآدمي هي قطعة من الروح الأعظم التي هي المعاني القائمة بالأواني، وهي آدم الأكبر والأب الأدم، وفي ذلك يقول ابن الفارض :
وإنِّي وإنْ كنتُ ابن آدمَ صُورةً
فلِي فِيه مَعْنىً شاهدٌ بأُبوَّتِي
٧٣
فلمّا أراد الحق تعالى أن يستخلف هذا الروح في هذه البشرية لتدبرها وتصرفها فيما أريد منها، قالت الملائكة بلسان حالها : كيف تجعل فيها من يفسد فيها بالميل إلى الحظوظ والشهوات، ويسفك الدماء بالغضب والحميات، ونحن نسبحك وننزهك عما لا يليق بك ؟ رأت الملائكة ما يصدر من بعض الأرواح من الميل إلى الحضيض الأسفل، ولم تر ما يصدر في بعضها من التصفية والترقية، فقال لهم الحق تعالى :﴿إني أعلم ما لا تعلمون﴾ ؛ فإن منها من تعرج إلى عرش الحضرة، وتعبدني بالفكرة والنظرة، وتستولي على الوجود بأسره، وتنكشف لها عند ذلك أسرار الذات وأنوار الصفات وأسماء المسميات.


الصفحة التالية
Icon