جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٢
فيقول الحق تعالى للملائكة : هل فيكم من كشف له عن هذا السر المكنون، والاسم المصون، فقالوا :﴿سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا﴾ من علم الصفات دون أسرار الذات ﴿إنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ يقول الحق تعالى لروح العارف التي نفذت إلى بحر وحدة الذات وتيار الصفات : أنبئهم بما غاب عنهم من أسرار الجبروت، وأسماء الملكوت، فلما أعلمهم بما كوشف له من الأسرار، وانفق له من الأنوار، أقروا بشرف الآدمي، وسجدوا لطلعة آدم عليه السلام فقال الحق لهم :﴿أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ ؟ أي : ما غاب في سماء الأرواح من الأسرار وفي أرض النفوس من الأنوار، وأعلم ما تظهرونه من الانقياد، وما تكتمونه من الاعتقاد، والله تعالى أعلم.
ولما تبينّ شرف آدم عليه السلام وبان فضله أمرهم بالسجود له.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٢
قلت :﴿إذ﴾ ظرف للماضي، ضد إذا، وهي معمولة لفعل مقدر، يفسره قوله تعالى :﴿وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ﴾ [الأعرَاف : ٨٦]، فحيثما وردت في القرآن فيقدر له " اذكر "، والاستثناء متصل ؛ إذا قلنا إبليس من الملائكة، ومنقطع ؛ إذا قلنا من الجن. والله تعالى أعلم.
٧٤
يقول الحقّ جلّ جلاله : واذكر ﴿إِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ﴾، لام تبينت فضيلة، آدم أمرهم بالسجود، فقال لهم :﴿اسْجُدُوا لآدَمَ﴾ سجود انحناء، ﴿فَسَجَدُوا﴾ كلهم، لأنهم شهدوا الجمع ولم يشهدوا الفرق، فرأوا آدم قِبْلَةً، أو نوراً من أنوار عظمته، ﴿إلاَّ إِبْليسَ﴾ أي : امتنع ؛ حيث نظر الفرق بحكمة الواحد القهار، فاستبكر ﴿وكان﴾ من جملة ﴿الْكَافِرِينَ﴾. وكفره باعتراضه على الله وتسفيه حكمه، لا بامتناعه ؛ إذ مجرد المعصية لا تكفر. والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon