يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وَقُلْنَا يَا آدَم﴾ حين سجدت له الملائكة ودخل الجنة :﴿اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ﴾ حواء ﴿الجنة﴾، وكانت خلقت من ضلعه الأيسر، ﴿وَكُلا﴾ من ثمار الجنة ﴿حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجِرَةَ﴾ : العنب أو التين أو الحنطة ؛ ﴿فَتَكُونَا﴾ إن أكلتما منها ﴿مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ لنفسيكما. فدخل إبليس خفية أو في فم الحية، فتكلم مع آدم عليه السلام فقال له آدمُ عليه السلام : ما أحسن هذه الحالة لو كان الخلود. فحفظها إبليس، ووجد فيها مدخلاً من جهة الطمع، فقال له :﴿هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةٍ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى﴾ [طه : ١٢٠] فدلّه على أكل الشجرة، وقال :﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا﴾ [الأعرَاف : ٢٠] عنها ﴿إِلاَّ﴾ [الأعراف : ٢٠] كراهية ﴿أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف : ٢٠، ٢١]. وأكلت حواء أولاً، ثم قالت له : قد أكلتُ ولم يضرني، ثم أكل آدم عليه السلام من جنس الشجرة، لا من عينها، متأوّلاً، فطار التاج واللباس، وأخرجهما ﴿مما كانا فيه﴾ من رغد العيش والعناء، وأهبطهما إلى الأرض، للتعب والعناء، ليكون خليفة على ما سبق به القضاء.
فقال لهم الحقّ تعالى :﴿اهْبطُوا﴾ آدم وحواء وإبليس والحية، ﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ﴾ استقرار وتمتع ﴿إلَى حِينٍ﴾ وفاتكم، فتقدمون علي فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، ﴿فَتَلَقَّى﴾ أي أخذ ﴿آدم من ربه كلمات﴾ وهي :
٧٥
﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مَنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعرَاف : ٢٣}، ﴿فتاب﴾ الحق تعالى عليه واجتباه لحضرته، فإنه توّاب كثير التوبة على عباده، رحيم بهم، أرحم من أبيهم وأمهم، اللهم ارحمنا رحمة تعصمنا بها عن رؤية السّوي، إنك على كل شيء قدير.