أو :﴿وَاسْتَعِينُوا﴾ بالصوم ﴿وَالصَّلاةِ﴾، فإن في الصوم كَسْرَ الشَّهْوَةِ وتصفية النفس، فإذا صفت النفس من الرذائل تحلت بأنواع الفضائل، كالتواضع والإنصاف، والخشوع وسائر سني الأوصاف، وفي الصلاة أنواع من العبادات النفسية والبدنية، كالطهارة، وستر العورة، وصرف المال فيهما، والتوجه إلى الكعبة، والعكوف للعبادة، وإظهار الخشوع بالجوارح، وإخلاص النبيّة بالقلب، ومجاهدة الشيطان، ومناجاة الرحمن وقراءة القرآن، وكف النفس عن الأطْيَبَيْنِ، وفي الصلاة قضاء المآرب وجبر المصائب، ولذلك كان - عليه الصلاة والسلام - إذا حزّ به أمر فزع إلى الصلاة، ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ﴾ أي : شاقة على النفس ؛ لتكريرها في كل يوم، ومجيئها وقت حلاوة النوم، ﴿إلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ الذين سكنت حلاوتها في قلوبهم، وتناجوا فيها مع ربهم، حتى صارت فيها قُرَّة عينهم.
الذين يتيقنون ﴿إَنَّهُمْ مُّلاقُوا رَبِّهِمْ﴾ فيتنعمون بالنظر إلى وجه الكريم، ويتيقنون أيضاً أنهم راجعون إلى ربهم بالبعث والحشر للثواب والعقاب، وإنما عبَّر الحق تعالى هنا بالظن في موضع اليقين إبقاء على المذنبين، وتوفراً على العاصين، الذين ليس لهم صفاء اليقين ؛ إذ لو ذكر اليقين صرفاً لخرجوا من الجملة، فسبحانه من رب حليم، وجواد كريم. اللهم امنن علينا بصفاء المعرفة واليقين، حتى لا يختلج قلوبنا وَهْمٌ ولا ريب، يا رب العالمين.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٨٠
الإشارة : يا من رام الدخول إلى حضرة الله، تذلل وتواضع لأولياء الله، وتجرّع الصبر في ذلك كي يدخلوك حضرة الله، كما قال القائل :
تَذللْ لِمنْ تهْوى ؛ فَلَيْسَ الهوَى سَهْلُ
إذا رَضِي المَحْبُوبُ صَحَّ لكَ الوَصْلُ