يقول الحقَ جلّ جلاله : في تذكير بني إسرائيل ما أنعم به عليهم في حال التيه :﴿و﴾ قد ﴿ظَلَّلْنا عَلَيْكُمْ الْغَمَامَ﴾ يقيكم من الحر في أيام التيه، ﴿وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ﴾ وهو عسل كان ينزل على الشجر من الفجر إلى الطلوع، فيغرفون منه ما شاءوا، ﴿و﴾ أنزلنا عليكم ﴿السلوى﴾، وهو طير كانت تحشره الجنوب، فينزل عليهم، فياخذون منه ما شاءوا، ولا يمتنع منهم، فيذبحون ويأكلون لحماً طريّاً، فقلنا لهم :﴿كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا﴾ بمخالفتهم أمْرَ نبيهم وسوء أدبهم معه، حيث قالوا :﴿فَاذْهَبْ أَنَتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلآ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المَائدة : ٢٤]، فعاقبهم بالتيه أربعين سنة، يتيهون في مقدار خمسة فراسخ أو ستة. ﴿وَلَكِن﴾ ظلموا أنفسهم ؛ حيث أوقعوها في البلاء والمحنة.
رُوِيَ أنهم لما أُمروا بجهاد الجبارين، جبنوا وقالوا تلك المقالة، فدعا عليهم سيدنا موسى عليه السلم فوقعوا في التيه بين مصر والشام، فكانوا يمشون النهار فيبيتون حيث أصبحوا، ويمشون الليل فيصبحون حيث أمسوا، فقالوا لموسى عليه السلام : من لنا بالطعام ؟ فأنزل الله عليهم المنّ والسلوى، قالوا : كيف بحر الشمس ؟ فظلل عليهم الغمام، قالوا : بم نستصبح بالليل ؟ فضرب لهم عمود نور في وسط محلتهم، قالوا : من لنا بالماء ؟ فأمر موسى عليه السلام بضرب الحجر، فقالوا : من لنا باللباس ؟ فأعطوا ألا يَبْلى لهم ثوب، ولا يَخْلَق، ولا يَدْرن، وأن ينمو بنمو صاحبه، وقيل : كساهم مثل الظفر، ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البَقَرَة : ٢٨٤].


الصفحة التالية
Icon