﴿... وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـاذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـاذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ فَمَا لِهَـاؤُلااءِ الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ...﴾
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧١
يقول الحقّ جلّ جلاله : في وصف أهل النفاق : وإنهم إن ﴿تصبهم حسنة﴾ كخصب ورخاء ونعمة ظاهرة، قالو :﴿هذه من عند الله﴾، ونسبوها إلى الله بلا واسطة، ﴿وإن تصبهم سيئة﴾ كقحط وجوع وموت وقتل، قالوا للرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ :﴿هذه من عندك﴾ بشؤم قدومك أنت وأصحابك، كما قالت اليهود ـ لعنهم الله ـ : منذ دخل محمدٌ المدينة نقصت ثمارها وغلت أسعارها.
قلت : بل زكت ثمارها، ورخصت أسعارها، وأشرقت أنوارها، ولاحت أسرارها، وقد دعا ﷺ للمدنية بمثل ما دعا إبراهيمُ لمكة، وأضعاف ذلك، فما زالت الخيرات تترادف إليها حسًا ومعنى إلى يوم القيامة، وهذه المقالة قد صدرت ممن كان
٧٢
قبلهم ؛ فقد قالوا لسيدنا صالح عليه السلام :﴿قَالُواْ اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ﴾ [النَّمل : ٤٧]، وقال تعالى :﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيَّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ﴾ [الأعراف : ١٣١]، ﴿مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قّدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ﴾ [فُصّلَت : ٤٣]. قال تعالى مكذبًا لهم :﴿قل كلٌّ من عند الله﴾ ؛ الحسنة بفضله، والسيئة بعدله. ثم عيرهم بالجهل فقال :﴿فمالِ هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثًا﴾ ؛ فهُم كالبهائم أو أضل سبيلاً، أو لا يفقهون القرآن ويتدبرون حديثه، ولو تدبروا لعلموا أن الكل من عند الله، وأنه خالق كل شيء، المقدَّر لكل شيء.