يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وأرسلناك﴾ يا محمد ﴿للناس رسولاً﴾ تعلمهم التوحيد وتدلهم على الأدب، فالتوحيد محله البواطن، فلا يرى الفعل إلا من الله، والأدب محله الظواهر فينسب بلسانه النقص إلى نفسه وهواه. وإذا شهد الحق ـ جل جلاله ـ لرسوله بالرسالة أغْنَى عن غيره، ﴿وكفى بالله شهيدًا﴾. وشهادة الحق له بالمعجزات والواضحات، والبراهين القطعيات، والدلائل السمعيات، فإذا ثبتت رسالته وجب على الناس طاعته، ولذلك قال :﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله﴾ ؛ لأنه مُبلغ عن الله لا ينطق عن الهوى. رُوِي أنه ﷺ قال :" مَن أطَاعَنِي فَقَد أطَاعَ الله، ومَن أحبَني فقَد أحبَ الله " فقال بعض المنافقين : ما يريد هذا الرجل إلا أن نتخذه ربًّا، كما اتخذت النصارى عيسى. فنزل :﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى﴾ وأعرض ﴿فما أرسلناك عليهم حفيظًا﴾ تَحفَظُ عليهم أعمالهم، وتحاسبهم عليها، إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧١
الإشارة : كما شهد الحق ـ جل جلاله ـ لرسله بالرسالة، بما أظهر لهم من المعجزات، شهد لأوليائه بالولاية بما منحهم من الكرامات. والمراد بالكرامة : هي تحقيق العرفان، ومعرفة الذوق والوجدان، واستقامة الظواهر والبواطن، وتهذيب الأخلاق وهداية الناس على يديه إلى العليم الخلاق، فهذه الكرامة المعتبرة عند المحققين، فمن أطاعهم فقد أطاع الله، ومن أعرض عنهم فقد أعرض عن معرفة الله، ومن أحبهم فقد أحب الله، ومن أبغضهم فقد أبغض الله ؛ لأنهم نور من أنوار الله، وعين من عيون الله، إذا لم يبق فيهم بقية مما سوى الله، أقدامهم عرى قدم رسول الله، ﴿إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله﴾ [الفتح : ١٠] فافهم، والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧١