قلت :﴿طاعة﴾ : خبر، أي : أمرنا طاعة، وأصله النصب على المصدر، ورُفِعَ للدلاله على الثبوت، وبيِّتَ الشيء، دبَّره ليلاً وأضمره في نفسه.
٧٤
يقول الحقّ جلّ جلاله : في شأن المنافقين :﴿ويقولون﴾ لك إذا حضروا معك : أمرنا وشأننا ﴿طاعةٌ﴾ لك فيما تأمرنا به، ﴿فإذا برزوا﴾ أي : خرجوا ﴿من عندك بيَّت طائفة منهم﴾ أي : دبرَّت ليلاً وأخفت من النفاق ﴿غير الذي تقول﴾ لك من قبول الإيمان وإظهار الطاعة، أو زوَّرت خلاف ما قلتَ لها من الأمر بالطاعة، ﴿والله يكتب ما يبيتون﴾ أي : يُثبِتُه في صحائفهم فيجازهم عليه، ﴿فأعرض عنهم﴾ ولا تبال بهم، ﴿وتوكل على الله﴾ يكفك شرهم، ﴿وكفى بالله وكيلاً﴾ عليهم، فسينتقم لك منهم.
الإشارة : هذه الخصلة موجودة في بعض العوام ؛ إذا حضروا مع أهل الخصوصية أظهروا الطاعة والإقرار، وإذا خرجوا عنهم بيَّتوا الانتقاد والإنكار، فلا يليق إلا الإعراض عنهم، والغيبة في الله عنهم، فإن الله يكفي شرهم بكفالته وحفظه. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٧٤
يقول الحقّ جلّ جلاله : أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون ﴿القرآن﴾، وينظرون ما فيه من البلاغة والبيان، ويتبصّرون في معاني علومه وأسراره، ويطلعون على عجائب قصصه وأخباره، وتَوافُق آياتهِ وأحكامه، حتى يتحققوا أنه ليس من طوق البشر، وإنما هو من عند الله الواحد القهار، ﴿ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا﴾ بَين أحكامه وآياته، من تَفَاوتِ اللفظ وتناقض المعنى، وكَون بعضه فصيحًا، وبعضه ركيكًا، وبعضه تصعب معارضته وبعضه تسهل، وبعضه توافق أخباره المستقبلة للواقع، وبعضه لا يوافق، وبعضه يوافق العقل، وبعضه لا يوافقه، على ما دل عليه الاستقراء من أن كلام البشر، إذا طال، قطعًا يوجد فيه شيء من الخلل والتناقض.