الإشارة : نهى الله تعالى عن مساكنة النفوس وموالاتها، حتى تهاجر عن مواطن شهواتها إلى حضرة ربها، فإن تولت عن الهجرة وألِفَت البطالةَ والغفلة فليأخذها ليقتلها حيثما ظهرت صورتها، ولا يسكن إليها أبدًا أو يواليها، إلاَّ إن وصلت إلى حضرة الشيخ، وأمره بالرفق بها، أو كفت عن طغيانها، أو كفى الله أمرها ؛ بجذبٍ أخرجها عن عوائدها، أو واردٍ قوَّى دفع شهواتها، فإنه يأتي من حضرة قهار، لا يصادم شيئاً إلا دمغه، وهذه عناية من الرحمن، ولو شاء تعالى لسلطها على الإنسان يرخى لها العنان، فتجمح به في ضَحضَاح النيران، فإن كفت النفس عن شهواتها، وانقادت إلى حضرة ربها، فما لأحدٍ عليها من سبيل، وقد دخلت في حمى الملك الجليل. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٨٠
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ستجدون﴾ قوماً ﴿آخرين﴾ منافقين، وهم أسد وغطفان، قَدِمُوا المدينة، وأظهروا الإسلام نفاقًا ورياء ؛ إذا لقوا النبي ﷺ قالوا : إنا على دينك،
٨٢
يريدون الأمن، إذا لقوا قومهم، وقالوا لأحدهم : لماذا أسلمت ومن تعبد ؟ فيقول : لهذا القرد ولهذا العقرب والخنفساء، ﴿يريدون﴾ بإظهار الإسلام ﴿أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما رُدوا إلى الفتنة أركسوا فيها﴾، أي : كلما دُعُوا إلى الكفر رَجَعُوا إليه أقبحَ رد، ﴿فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم﴾ أي : ولم يلقوا إليكم المسالمة والصلح، ولم ﴿يكفّوا أيديهم﴾ بأن تعرضوا لكم ﴿فاقتلوهم حيث ثقفتموهم﴾ أي : وجدتموهم، ﴿وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانًا﴾، أي : تسلطاً ﴿مبينًا﴾ ظاهرًا، لظهور كفرهم وثبوت عداوتهم.