الإشارة : اعلم أن الحقّ ـ جلّ جلاله ـ قد رغَّب في إحياء النفوس، حسًا ومعنًى، ونهى عن قتلها حسًا ومعنًى، وما ذلك إلى لخصوص محبة له فيها، ومزيد اعتناء له بشأنها ؛ فليس في الوجود أعز من الله من مظهر هذا الآدمي إن استقام في العبودية لربه، فهو قلب الوجود، ومن أجله ظهر كل موجود، وهو المنظور إليه من هذا العالم السفلي، والمقصود بالخطاب التكليفي : جزئي وكلي، فهو المقصود من بيت القصيد، وهو المحبوب إليه، دون سائر العبيد، قال تعالى :﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسي﴾ [طه : ٤١].
ومعنى إحيائها حسًّا : إنقاذها من الهلاك الحسّي، ومعنى إحيائها معنّى : إنقاذها من الهلاك المعنوي كالجهل والغفلة، حتى تحيا بالعلم والإيمان واليقظة، ومعنى قتلها حسًا : إهلاكها، ومعنى قتلها معنًى : إيقاعها في المعاصي والكفر وحملها على ذلك، وكذلك إهانتها وذلها، ولذلك قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" لَعنُ المُؤمن كَقَتَلهِ " فأمر من قتله خطًأ أن يُحيي نفسًا أخرى من مقابلتها بإخراجها من موت إهانة الرق، فإن لم يقدر، فليحيي نفسه بقتل صولتها بالجوع حتى تنكسر، فتحيا بالتوبة واليقظة، ويُجبر كسر أهل المقتول بالدية المُسَلَّمة.
٨٤
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٨٣
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا﴾ مستحلاً لقتله ﴿فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغَضِبَ الله عليه ولعنه﴾ أي : طرده ﴿وأعد له عذابًا عظيمًا﴾، وقولُنا : مستحلاً لقتله، هو أحد الأجوبة عن شبهة المعتزلة القائلين بتخليد عصاة المؤمنين في النار. ومن جُملتهم : قاتل النفس.