ومذهب أهل السنة : أنه لا يخلد إلا الكافر، ويؤيد هذا الجواب سبب نزول الآية، لأنها نزلت في كافر، وهو ( مَقِيس بن ضُبَابة الكناني) ؛ وَجَدَ أخَاه هشامًا قَتَيلاً في بني النجر ـ وكان مُسلمًا ـ فذكر ذلك النبي ﷺ فأرسَل مَعهُ رجلاً من بني فهرِ، وقال له :" ائت بني النّجار، وقُل لهم : إن عَلمتُم قاتِل هِشَامٍ فادفَعُوهُ لمقيس يَقتَصُّ مِنه، وإن لِمَ تَعلمُوا فادفَعُوا إليه الدَّيةَ " فقالوا : سمعًا وطاعة، لم نَعلَم قاتِله، فجمعوا مائة من الإبل، فأخذها، ثم انصرفا راجعَين إلى المدينة، فوسوس إليه الشيطان، وقال : أيَّ شيء صَنَعتَ ؟ تَقبلُ ديةَ أخيكَ فتكونُ عليك سُبَّة، اقتل الرجلَ الذِي مَعكَ فتكُونَ نفسٌ مكانَ نَفسٍ وفَضلُ الدِّيَة، فَقَتَلَه وأخذ الدِّية، فنزلت فيه الآية.
أو يكون الخلود عبارة عن طول المكث، والجمهور على قبول توبته، خلافًا لابن عباس، ونُقِل عنه أيضًا قبولها، ولعله تعالى استغنى عن ذكر التوبة هنا اكتفاء بذكرها في الفرقان، حيث قال :﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾ [الفُرقان : ٦٨]، ثم قال :﴿إِلاَّ مَن تَابَ﴾ [مريَم : ٦٠]. وأما من قال : إن تلك منسوخة بهذه فليس بصحيح ؛ لأن النسخ لا يكون في الأخبار. أو فجزاؤه إن جُوزِي، ولا بِدع في خلف الوعيد لقوله :﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ﴾ [النَّساء : ٤٨] ؛ لأن الوعيد مشروط بعدم العفو، لدلائل منفصلة اقتضت ذلك كما هو مشروط بعدم التوبة أيضًا، والحاصل : أن الوعد لا يخلف لأنه من باب الامتنان، والوعيد يصح إخلافه، بالعفو والغفران، كما في بعض الأخبار عن رسول الله ﷺ قال :" مَن وَعَدَه الله ـ عز وجل ـ على عملٍ ثوابًا فهو منجزه له لا محالة، ومَن أوعَدَه على عمل عقابًا فهو بالخيار، إن شاءَ عَفَا عنه، وإن شاء عَاقَبه " هـ. ذكره في القوت.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٨٥