يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم﴾ أي : سافرتم وسرتم تجاهدون ﴿في سبيل الله﴾، ﴿فتبينوا﴾ الأمور وتثبتوا فيها ولا تعجلوا، فإن العجلة من الشيطان، ﴿ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم﴾ أي : الانقياد والاستسلام، أو سلَّم عليكم تحية الإسلام، ﴿لست مؤمنًا﴾ ؛ إنما فعلت ذلك متعوذًا خائفًا، فتقتلونه طمعًا في ماله، ﴿تبتغون عرض الحياة الدنيا﴾ وحطامها الفاني، ﴿فعند الله مغانمُ كثيرة﴾ وَعَدَكُم بها، لم تقدروا الآن عليه، فاصبروا وازهدوا فيما تَشُكُّون فيه حتى يأتيكم ما لا شهبةَ فيه، ﴿كذلك كنتم من قبل﴾ هذه الحال، كنتم تخفون إسلامكم خوفًا من قومكم، ﴿فمنَّ الله عليكم﴾ بالعز والنصر والاشتهار ﴿فتبينوا﴾ وتثبتوا ولا تعَجلَوا، وافعلوا بالداخلين في الإسلام كما فعل اللهُ بكم، حيث حفظكم وعصمكم، ولا تبادروا إلى قتلهم ظنًا بأنهم إنما دخلوا فيه اتقاء وخوفًا، فإن إبقاء ألف كافر أهون عند الله من قتل مؤمن، وتكريره تأكيد لتعظيم الأمر. ثم هدَّدهم بقوله ﴿إن الله كان بما تعملون خبيرًا﴾ مطلعًا على قصدكم، فلا تتهافتوا في القتل، واحتاطوا فيه.
رُوِي أن سريةً لرسول الله ﷺ غزت أهل فَدَك فهربوا، وبقي مرداسُ ثقًة بإسلامه، لأنه كان مسلمًا وحده، فلما رأى الخيلَ ألجأ غَنَمه إلى عاقول من الجبل، وصعد عليه، فلما تلاحقوا وكَبَّروا، كَبَّر ونزل يقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله، السلام عليكم، فقتله أسامةُ، واستاق غنمه، فنزلت الآية. فلما أُخبر ـ عليه الصلاة والسلام ـ وَجِدَ وجدًا شديدًا، وقال لأسامة :" كيف بلا إله إلا الله، إذا جاءت يوم القيامة ؟ ! " قالها ثلاثًا، حتى قال أسامة : ليتني لم أكن أسلمتُ إلا يومئٍذ، ثم استغفرَ له بعدُ، وقال له :
٨٦


الصفحة التالية
Icon