الإشارة : لا يستوي القاعد مع حظوظه وهواه، مشتغلاً بتربية جاهه وماله وتحصيل مُناه، غافلاً عن السير إلى حضرة مولاه، مع الذي سلَّ سيفَ العزم في جهاد نفسه وهواه، وبذل مهجته وجاهد نفسه في طلب رضاه، حتى وصل إلى شهود أنوار جماله وسناه، هيهات هيهات، لا يستوي الأحياء مع الأموات، فإن قعد مع نفسه لعذر يُظهره، مع محبته لطريق القوم وإقراره لأهل الخصوصية، فقد فضَّل الله عليه المجاهدين لنفوسهم بدرجة الشهود ومعرفة العيان للملك الودود، وإن قعد لغير عذر مع الإنكار لأهل الخصوصية، فقد فضَّل الله عليه المجاهدين أجرًا عظيمًا، درجات منه بالترقي أبدًا، ومغفرة ورحمة، وفي البيضاوي : التفضيل بدرجة في جهاد الكفار، وبدرجات في جهاد النفس ؛ لأنه الأكبر للحديث والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٨٧
٨٨
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿إن الذين﴾ تتوفاهم ﴿الملائكة﴾ أي : مَلَك الموت وأعوانه، يعني : تَقبِضُ أرواحهم، ﴿ظالمي أنفسهم﴾ بترك الهجرة ومرافقة الكفرة، ﴿قالوا﴾ أي : الملائكة في توبيخهم :﴿فِيمَ كنتم﴾ أي : في أي شيء كنتم من أمر دينكم : أعلى الشك أو اليقين ؟ أو : في أي بلد كنتم : في دار الكفر أو الإسلام ؟ ﴿قالوا كنا مستضعفين في الأرض﴾ فعجزنا عن الهجرة وإظهار الدين خوفًا من المشركين، ﴿قالوا﴾ أي : الملائكة تكذيبًا لهم وتبكيتًا :﴿ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها﴾ إلى قطر آخر، كما فعل المهاجرين إلى الحبشة والمدينة، لكن حبستكم أموالُكم، وعزَّت عليكم أنفسكم، ﴿فأولئك مأواهم جهنم﴾ لتركهم الهجرة الواجبة في ذلك الوقت، ومساعدتهم الكفار على غزو المسلمين، ﴿وساءت مصيرًا﴾ أي : قبحت مصيرًا جهنم التي يصيرون إليها.


الصفحة التالية
Icon