نزلت في ناس من أهل مكة تكلموا بالإسلام ولم يُهاجروا، فخرجوا يوم بدر مع المشركين فرأوا قلةَ المسلمين، فقالوا : غرَّ هؤلاء دينُهم، فقُتِلوا، فضربت الملائكة وجوهم وأدبارهم، كما يأتي، فلا تجوز الإقامة تحت حكم الكفر مع الاستطاعة، بل تجب الهجرة، ولا عذر في المقام، وإن منعه مانعٌ فلا يكون راضيًا بحاله مطمئنَ النفس بذلك، وإلا عمَّهُ البلاءُ، كما وقع لأهل الأندلس، حتى صار أولادُهم كفارًا والعياذ بالله، وكذلك لا تجوز الإقامة في موضعٍ تغلبُ فيه المعاصي وترك الدين.
قال البيضاوي : في الآية دليل على وجوب الهجرة من موضع لا يتمكن في الرجل من إقامة دينه، وعن النبي ﷺ :" من فرَّ بدينه من أرض، ولو كان شبرًا من الأرض، استَوجَبَ الجنة، وكان رفيقَ إبراهيم ومحمد ـ عليهما الصلاة والسلام " قلت : ويدخل فيه ـ على طريق الخصوص ـ من فرّ من موضع تكثر فيه الشهوات والعوائد، أو تكثر فيه العلائق والشواغل، إلى موضع يقلُّ فيه ذلك، طلبًا لصفاء قلبه ومعرفة ربه، بل هو أولى، ويكون رفيقاً لهما في حضرة القدس عند مليك مقتدر. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٨٨
ثم استثنى مَن تَحَقَّق إسلامُه وحبسه العذر، فقال :﴿إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان﴾ أي : المماليك والصبيان، وفيه إشعار بأنهم على صدد وجوب الهجرة، فإنهم إذا بلغوا وقدروا على الهجرة، فلا محيص عنها، وأن قومهم يجب أن يهاجروا بهم متى أمكنت الهجرة. قال ابن عباس ـ رضي الله عنهماـ :" كنتُ أنا أبي وأُمي ممن استثنى الله بهذه الآية ".
ثم وصفهم بقوله ﴿لا يستطيعون حيلة﴾ أي : قوة على ما يتوقف عليه السفر، من ركوب أو غيره، ﴿ولا يهتدون سبيلاً﴾ أي : لا يعرفون طريقًا، ولا يجدون دليلاً،
٨٩