﴿فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم﴾. وعبَّر بحرف الرجاء إيذانًا بأنّ تركَ الهجرة أمرٌ خطير، حتى إن المضطر من حقه أن لا يأمن، ويترصد الفرصة، ويُعلِّقُ بها قلبه، ﴿وكان الله غفورًا رحيمًا﴾ فيعفو ويغفر لمن غلبه العذر. وبالله التوفيق.
الإشارة : كل من لم يتغلغل في علم الباطن، مات ظالمًا لنفسه، أي : باخسًا لها ؛ لما فوَّتها من لذيذ الشهود، ومعرفة الملك المعبود، ولا يخلو باطنه من الإصرار على أمراض القلوب، التي هي من أكبر الذنوب، فإذا توفته الملائكة على هذه الحالة، قالت له : فيم كنتَ حتَّى لم تهاجر إلى من يُطهرك من العيوب، ويوصلك إلى حضرة علام الغيوب ؟ فيقول : كنتُ من المستضعفين في علم اليقين، ولم أقدر على صحبة أهل عين اليقين وحق اليقين ؛ حَبَسَنَي عنهم حُبُّ الأوطان، ومرافقة النساء والولدان. فيقال لهُ : ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجر فيها إلى من يخلصك من الحجاب، وينفي عنك الشك والارتياب ؟ فلا جرم أن مأواه سجن الأكوان، وحرمان الشهود والعيان، إلاَّ من أقر بوجود ضعفه، واضطر إلى مولاه في تخليصه من نفسه، فعسى ربه أن يعطف عليه، فيوصله إلى عارف من أوليائه، حتى يلتحق بأحبابه وأصفيائه، وما ذلك على الله بعزيز.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٨٨
قلت : المراغَم : المهرب والمذهب. قاله في القاموس. وقال البيضاوي : يجد متحولاً، من الرغام وهو التراب. وقيل : طريقًا يراغم قومه بسلوكه فيها، أي : يفارقهم على رغم أنوفهم، وهو أيضًا من الرغام.