يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ومن يهاجر في سبيل الله﴾ لإعلاء كلمة الله وإقامة دينه، ﴿يجد في الأرض﴾ فضاءً كثيرًا، ومتحولاً كبيرًا يتحول إليه، وسعة بدلاً من ضيق ما كان فيه، من قهر العدو ومنعه من إظهار دينه، أو سعةٌ في الرزق، وبسطًا في المعيشة، فلا عذر له في المقام في مكان مُضَيَّقٍ عليه فيه في أمر دينه، ﴿ومن يخرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله﴾ وجهادٍ في سبيله، ﴿ثم يُدركه الموت﴾ قبل وصوله فقد ثبت أجرُه، ووجب على الله ـ وجوب امتنان ـ أن يبلغه قصده بعد موته، ﴿وكان الله غفورًا﴾ لما سلف له من عدم المبادرة، ﴿رحيمًا﴾ به، حيث بلَّغه مأمولَه.
نزلت في جُندع بن ضَمرة، وكان شيخًا كبيرًا مريضًا، فلما سمع ما نزل في شأن الهجرة قال : والله ما أنا ممن استثنى الله، ولي مال يُبِلغني المدينة، والله لا
٩٠
أبيتُ الليلة بمكة، اخرجُوا بي، فخرجوا به على سريره حتى أتوا به التنعيم، فأدركه الموت بها، فَصفَّق بيمينه على شماله، وقال : اللهم هذه لك وهذه لرسولك، أُبايعك على مَا بَايَعَك عليه رسولك، فمات حَمِيدًا. فقال الصحابة : لو وافَى المدينةَ، كان أتم أجرًا، وضحك المشركون، وقالوا : ما أدرك ما طلب. فنزلت :﴿ومن يخرج من بيته...﴾ الخ.
وقيل : نزلت في خالد بن حزام، فإنه هاجر إلى أرض الحبشة، فنهشته حيَّةٌ في الطريق، فمات قبل أن يصل. والله تعالى أعلم.