الإشارة : ومن يهاجر من وطن حظوظه وهواه، طلبًا للوصول إلى حضرة مولاه، يجد في أرض نفسه متسعًا للعلوم، ومفتاحًا لمخازن الفهوم، وسعة الفضاء والشهود، حتى ينطوي في عين بصيرته كلُّ موجود، ويتحقق بشهود واجب الوجود. ومن يخرج من بيت نفسه وسجن هيكله إلى طلب الوصول إلى الله ورسوله، ثم يُدركه الموت قبل التمكين، فقد وقع أجره على الله، وبلَّغه الله ما كان قَصَدَه وتمنُّاه، فيُحشر مع الصديقين أهلِ الرسوخ والتمكين، التي تلي درجتُهم درجةَ النبيين، وكذلك من مات في طلب العلم الظاهر ولم يدركه في حياته، حشِر مع العلماء، قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ :" من جاءَه أجله وهو يطلبُ العلمَ لم يكن بينه وبين النبيين إلا درجةٌ واحدة " قلت : وهذه الدرجة التي بينه وبين النبوة هي درجة الصديقين المتقدمة قبله.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٩٠
وكل من مات في طلب شيء من الخير، أدركه بعد موته بحسن نيته، كما في الأحاديث النبوية، قال القشيري : المهاجر في الحقيقة، من هاجر نفسه وهواه، ولا يصح ذلك إلا بانسلاخه عن جميع مراداته وقصوده، فمن قصَده ـ أي قصد الحق تعالى ـ ثم أدركه الأجلُ قبل وصوله، فلا ينزل إلا بساحات وصله، ولا يكون محط رفقته إلا مكان قربه. هـ. وفي بعض الآثار : الهجرة هجرتان : هجرة صُغرى، وهجرة كبرى، فالصغرى : انتقال الأجسام مِن وطنٍ غير مرضي إلى وطن مرضي، والكبرى : انتقال النفوس من مألوفاتها وحظوظها إلى معرفة ربها وحقوقها. هـ.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٩٠
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وإذا ضربتم في الأرض﴾، أي : سافرتم للجهاد أو غيره من السفر المباح، أو المطلوب، ﴿فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة﴾ الرباعية إلى ركعتين، ونفيُ الجُناح يقتضي أنها رُخصة، وبه قال الشافعي، ويؤيده أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أتمّ في السفر وأن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : يا رسول الله
٩١