يقول الحقّ جلّ جلاله : لنبيّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ حين همَّ أن يخاصم عن طُعمَة بن أبَيرِق، وذلك أنه سرق درعًا من جاره قتادة بن النعمان، في جراب دقيق، فجعل الدقيق يسقط من خرق فيه، وخبَّأها عند يهودي، فالتمس الدرع عند طعمة، فلم توجد، وحلف ما أخذها، وما له بها علم، فتركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهى إلى منزل اليهودي فأخذوها، فقال اليهودوي : دَفَعَهَا إليَّ طُعمَة، وشهد له ناس، من اليهود، فقال رهط طعمة من بني ظفر : انطلقوا بنا إلى رسول الله ﷺ فنسأله أن يجادل عن صاحبنا، وقالوا : إن لم يفعل هلك وأفتضح، وبرىء اليهودي، فهمَّ رسول الله ﷺ اعتماداً على ظاهر الأمر، ولم يكن له علم بالواقعة، فنزلت الآية :
﴿إنا أنزلنا إليكم الكتاب بالحق﴾ أي : ملتبسًا بالحق ﴿لتحكم﴾ بما فيه من الحق ﴿بين الناس﴾ بسبب ما ﴿أراك﴾ أي : عَرَّفك ﴿الله﴾ بالوحي، أو بالاجتهاد، ففيه دليل على إثبات القياس، وبه قال الجمهور. وفي اجتهاد الأنبياء خلاف. ﴿ولا تكن للخائنين خصيمًا﴾ أي : عنهم للبرآء، أو لأجلِهم والذَّبَّ عنهم.
﴿واستغفر الله﴾ مما هممت به، ﴿إن الله كان غفورًا رحيمًا﴾، وفيه دليل على منع الوكالة عن الذمي، وبه قال ابن شعبان. وقال ابن عات : لعله أراد الندب. وقال مالك بن دينار : كفى بالمرء خيانة أن يكون أمينًا للخونة. والوكالة من الأمانة، والمصطفى ـ عليه الصلاة والسلام ـ لم يقصد شيئًا من ذلك، ولا علم له بالواقعة، لولا أطلعَه تعالى، فلا نقص في اهتمامه، ولا درك يلحقه. وبالجملة، فالآية خرجت مخرج التعريف بحقيقة الأمر في النازلة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٩٥