ثم فَضحَ سرهم، فقال :﴿يستخفون من الناس﴾ أي : يستترون منهم، ﴿ولا يستخفون من الله﴾ وهو أحق أن يستحيا منه ويُخاف ﴿وهو معهم﴾ لا يخفى عليه شيء، فلا طرق للنجاة إلا تَركُ ما يستُقبح، ويؤاخذ عليه سرًا وجهرًا. ﴿إذ يُبيتون﴾ أي : يدبرون ويُزَوِّرُون ﴿ما لا يرضى من القول﴾ من رمي البريء، والحلف الكاذب، وشهادة الزور، ﴿وكان الله بما يعملون محيطًا﴾ لا يفوته شيء، ﴿ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا﴾ ودفعتم عنهم المعرة، ﴿فَمن يجادل الله عنهم﴾ أي : مَن يُدافُع عنهم عذابه ﴿يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلاً﴾ يحميهم من عقاب الله، حين تُفضَح السرائر، ولا تنفع الأصحاب ولا العشائر. الإشارة : في الآية عتاب للقضاة والولاة إذا ظهرت صورة الحق بأمارات وقرائن، ثم تجمدوا على ظاهر الشريعة، حمية أو رشوة، فإن القضاء جُلّة فِراسة، وفيها عتاب لشيوخ التربية، إذا ظهر لهم عيب في المريد ستروه عليه حيَاء أو شفقة، ولذلك قالوا : شيخ التربية لا تليق به الشفقة، غير أنه لا يُعيَّن، بل يذكر في الجملة، وصاحب العيب يفهم نفسه، وفيها عتاب للفقراء إذا راقبوا الناس، وأظهروا لهم ما يُحبون، وأخفوا عنهم ما لا يرضون، لقوله ـ سبحانه ـ :﴿يستخفون من الناس...﴾ الآية، بل ينبغي أن يكونوا بالعكس من هذا، قال بعضهم : إن الذين تكرهون مني، هو الذي يشتهيه قلبي. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٩٥
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ومن يعمل سوءًا﴾ أي : ذنبًا قبيحًا يسوءُ به غيره، ﴿أو يظلم نفسه﴾ بذنب يختص به، أو من يعمل سوءًا بذنبٍ غيرِ الشرك، أو يظلم نفسه بالشرك، أو من يعمل سوءًا بالكبيرة، أو يظلم نفسه بالصغيرة، ﴿ثم يستغفر الله﴾ بالتوبة ﴿يجد الله غفورًا﴾ لذنوبه ﴿رحيمًا﴾ بقبول توبته، وفيه حث لطُعمَة وقومِه على التوبة والاستغفار.