جزء : ٢ رقم الصفحة : ٩٩
قلت : المشاقة : المخالفة والمباعدة، كأن كل واحد من المتخالفين في شَقِّ غيرِ شقَّ الآخر.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ومن﴾ يخالف ﴿الرسول﴾ ويتباعد عنه ﴿من بعد ما تبين له الهدى﴾ أي : بعد ما تحقق أنه على الهدى ؛ بالوقوف على المعجزات، فيترك طريق الحق ﴿ويتبع غير سبيل المؤمنين﴾ أي : يسلك غير ما هم عليه، من اعتقاد أو عمل. ﴿نوله ما تولى﴾ أي : نتركه مع ما تولى، ونجعله وليًّا له، ونُخَلِّي بينه وبين ما اختاره من الضلالة، ﴿ونُصله جهنم﴾ أي : ندخله فيها، ونشويه بها، ﴿وساءت مصيرًا﴾ أي : قَبُحت مصيرًا جهنم التي يصير إليها. والآية تَدُل على حرمة مخالفة الإجماع، لأن الله رتَّب الوعيد الشدد على مشاقة الرسول، واتباع غير سبيل المؤمنين، وكل منهما محرم وإذا كان اتباع غير سبيلهم محرمًا، كان اتباع سبيلهم واجبًا، انظر البيضاوي.
ثم نزل في طُعمة لما ارتد مشركًا :﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء﴾ وقيل : كرر للتأكيد تقبيحًا لشأن الشرك، وقيل : أتى شيخ إلى رسول الله ﷺ فقال : إني شيخ منهمك في الذنوب إلا أني لم أشرك بالله شيئًا منذ عرفتُه وآمنتُ به، ولم أتخذ من دونه وليًا، ولم أوقع المعاصي جرأة، وما توهمت طرفة عين أني أُعجز الله
١٠٠
هربًا، وإني لنادم تائب، فما ترى حالي عند الله ؟ فنزلت. ﴿ومن يشرك بالله فقد ضل﴾ عن الحق ﴿ضلالاً بعيدًا﴾ ؛ لإن الشّرك أقبح أنواع الضلالة، وأبعدها عن الثواب والاستقامة، وإنما ذكر في الآية الأولى. ﴿فقد افترى﴾ ؛ لأنها متصلة بقصة أهل الكتاب، ومنشأ شركهم نوع افتراء، وهو دعوى الشيء على الله. قاله البيضاوي.