﴿فلا تميلوا﴾ إلى المرغوب فيها لجمالها أو شبابها، ﴿كُلَّ الميل﴾ بالنفقة والكسوة والإقبال عليها، وتَدَعُوا الأخرى ﴿كالمعلقة﴾ التي ليست ذات بعل ولا مطلقة، كأنها محبوسة مسجونة، وعن النبي ﷺ :" من كانت له أمَرأتانِ يَميلُ معَ إحدَاهما، جَاء يومَ القِيَامَةِ، وأحَدُ شِقّيه مَائِلٌ "، ﴿وإن تصلحوا﴾ ما كنتم تفسدون في أمورهن بالعدل بينهن، ﴿وتتقوا﴾ الجور فيما يستقبل، ﴿فإن الله كان غفورًا رحيمًا﴾، يغفر لكم ما مضى من ميلكم.
١٠٨
الإشارة : من شأن العبودية : الضعف والعجز، فلا يستطيع العبد أن يقوم بالأمور التي كلف بها على العدل والتمام، ولو حرص كل الحرص، وجدَّ كل الجد، فلا يليق به إلا التحقق بوصفه والرجوع إلى ربه، فيأتي بما يستطيع ولا يحرص على ما لا يستطيع، فلا يميل إلى الدعة والكسل كل الميل، ولا يحرص على ما لا طاقة له به كل الحرص، فإن التعقيد ليس من شأن أهل التوحيد، بل من شأنهم مساعفة الأقدار، والسكون تحت أحكام الواحد القهار، فلا تميلوا إلى التعمق والتشديد كل الميل، فتتركوا أنفسكم كالمُعلَّقة، أي : المسجونة، وهذا من شأن أهل الحجاب، يُحبسون في المقامات والأحوال تشغلهم حلاوة ذلك عن الله تعالى. فإذا فقدوا ذلك الحال أو المقام سلبوا وأفلسوا. وأهل الغنى بالله لا يقفون مع حال ولا مقام، هم مع مولاهم، وكل ما يبرز من عنصر القدرة قبلوه، وتلونوا بلونه، وهذا مقام التلوين بعد التمكين.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٠٨


الصفحة التالية
Icon