وفي إشارة أخرى : اعلم أن القدرة والحكمة كالزوجين للقلب، يقيم عند هذه مدة، وعند هذه أخرى، فإذا أقام عند الحكمة كان في مقام العبودية من جهل وغفلة وضعف وذلة، وإذا أقام عند القدرة كان في مقام شهود الربوبية فيكون في علم ويقظة وقوة وعزة. ولا قدرة له على العدل بينهما، فلا يميل إلى إحداهما كل الميل بل يسير بينهما، ويعطي كل ذي حق حقه، بأن يعرف فضلهما، ويسير بكل واحد منهما. وإن تصلحوا قلوبكم وتتقوا ما يشغلكم عن ربكم، فإن الله كان غفورًا رحيمًا ؛ يغفر لكم ميلكم إلى إحدى الجهتين والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٠٨
﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً وَللَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ...﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وإن يتفرقا﴾ أي : يفارق كل واحد منهما صاحبه، ﴿يُغن الله﴾ كل واحد منهما عن صاحبه، ببدل أو سُلُو يقوم بأمره من رزق أو غيره، من سعة غناه وكمال قدرته، ﴿وكان الله واسعًا﴾ قدرته ﴿حكيمًا﴾ أي : متقنًا في أحكامه وأفعاله. ثم بيَّن معنى سعته فقال :﴿ولله ما في السماوات وما في الأرض﴾ أي : كل ما استقر فيهما فهو تحت حكمه ومشيئته، قائمًا بحفظه وتدبيره، يعطي كل واحد ما يقوم بأمره ويغنيه عن غيره. والله تعالى أعلم.
الإشارة : اعلم أن الروح ما دامت مسجونة تحت قهر البشرية، محجوبةً عن شهود معاني الربوبية، كانت فقيرة جائعة متعطشة، تتعشق إلى الأكوان وتفتقر إليها، وتقف معها، فإذا فارقت البشرية وانطلقت من سجن هيكلها، وخرجت فكرتها من سجن
١٠٩


الصفحة التالية
Icon