الأكون، أغناها الله بشهود ذاته، وأفضت إلى سعة فضاء الشهود والعيان، وملكت جميع الأكوان، " أنت مع الأكوان ما لم تشهد المكون، فإذا شهدت المكون كانت الأكوان معك "، وكذلك البشرية يغنيها الله عن تعب الخدمة وتستريح في ظل المعرفة، فلما تفرقا أغنى الله كلاًّ من سعة فضله وجوده، لأنه واسع العطاء والجود، حكيم في تدبير إمداد كل موجود.
وفي قوله :﴿ولله ما في السماوات وما في الأرض﴾ إشارة إلى أن من كان بالله، ووصل إلى شهود ذاته، ملَّكه الله ما في السماوات وما في الأرض، فيكون خليفة الله في ملكه ﴿وَمَا ذّلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ﴾ [إبراهيم : ٢٠].
ولمّا جرى الكلام على شأن النساء، وهن حبائل الشيطان، تشغل فتنتهن عن ذكر الرحمن، حذَّر الحق تعالى من فتنتهن، كما هو عادته تعالى في كتابه عند ذكرهن، وأمر بالتقوى التي هي حصن من كل فتنة، فقال :
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٠٩
وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً وَللَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَىا بِاللَّهِ وَكِيلاً إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىا ذالِكَ قَدِيراً﴾

قلت :﴿من قبلكم﴾ : يتعلق بأوتوا أو بوصينا، و ﴿إياكم﴾ : عطف على الذين، و ﴿أن اتقوا﴾ : على حذف الجار، أي : بأن اتقوا، أو مفسرة ؛ لأن التوصية في معنى القول، و ﴿إن تكفروا﴾ على حذف القول، أي : وقلنا لهم ولكم :﴿وإن تكفروا...﴾ الخ.


الصفحة التالية
Icon