وعن أبي برزة أنه ﷺ قال :" يبعثُ اللهُ أقوامًا من قبورهم تتأججُ أفواههم نارًا "، فقيل : مَنْ هم يا رسول الله ؟ قال :" ألم تر أن الله يقول :﴿إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا﴾ " أي : يحترقون في نار، وأي نار!! والصَّلْى : هو الشيّ، تقول : صليت الشيء : شويته، وأصليته وصليته، وذكر البطون مبالغة وتهجين لحالهم.
الإشارة : حذَّر الحق ـ جلّ جلاله ـ أهل الدعوى، الذين نصبوا أنفسهم للشيخوخة، وادعوا مقام التربية، مع كونهم جهالاً بالله، محجوبين عن شهود أسرار التوحيد، أن يأخذوا أموال الضعفاء ؛ الذين تعلقوا بهم ؛ لأنهم إنما يدفعون لهم ذلك طمعًا في الوصول إلى الله. وهم ليسوا أهلاً لذلك، فإذا أكلوا ذلك فإنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا، وهو تكثيف الحجاب، وزيادة العنت والتعب، إن أقبل عليهم الناس فرحوا واستبشروا، وإن أدبروا عنهم حزنوا وغضبوا، فأيُّ عذاب أعظم مِنْ هذا!!.
فتحصَّل من أول الآية إلى آخرها، أن الحق ـ تعالىـ أمر أهل الغني الأكبر، وهم الذين أهلَّهم للتربية النبوية، بأن سلكوا الطريق وأشرقت عليهم شموس التحقيق على يد شيخ كامل، بالاستعفاف، ولا يأخذ إلاّ قدر الحاجة، من أموال مّنْ انتسب إليهم، وسد الباب لأهل الدعوى، لإنه مِنْ أكْلِ أموال الناس بالباطل، لأنه يعطى على وجه لم يوجد في المعطى إليه، إلا إذا كان وجه الصدقة المحضة، مع أنه قد يكون غير مستحق لها. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٣
﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ...﴾
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿يوصيكم الله﴾ أي : يأمركم ويعهد إليكم، ﴿في أولادكم﴾، أي : في بيان ميراثهم، ثم فصَّله فقال ﴿للذكر مثل حظ الأنثيين﴾، أي يعُدُ
١٣


الصفحة التالية
Icon