﴿وإذا حللتم﴾ من الحج والعمرة ﴿فاصطادوا﴾، أمْر إباحة ؛ لأنه وقع بعد الحَظْر، ﴿ولا يجرمنّكم﴾ أي : لا يحملنّكم، أو لا يكسبنّكم ﴿شنآن قوم﴾ أي : شدّة بغضكم لهم لأجل ﴿أن صدّوكم عن المسجد الحرام﴾ عام الحديبية ﴿أن تعتدوا﴾ بالانتقام منهم ؛ بأن تحلّوا هداياهم وتتعرّضوا لهم في الحرم. قال ابن جزيّ : نزلت عام الفتح حين ظفر المسلمون بأهل مكة، فأردوا أن يستأصلوهم بالقتل ؛ لأنهم كانوا قد صدّوهم عن المسجد الحرام عام الحديبية، فنهاهم الله عن قتلهم ؛ لأن الله عَلِمَ أنهم يؤمنون. هـ. ثم نسخ ذلك بقوله :﴿فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ [التوبَة : ٥].
ثم قال تعالى :﴿وتعاونوا على البرّ والتقوى﴾ كالعفو، والإغضاء، ومتابعة الأمر، ومُجانَبة الهوى. وقال ابن جزيّ : وصية عامّة، والفرق بين البرّ والتقوى ؛ أن البرّ عامّ في الواجبات والمندوبات، فالبرّ أعمّ من التقوى. هـ. ﴿ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾ كالتشفّي والانتقام. قال ابن جُزَيّ : الإثم : كل ذنب بين الله وعبده، والعدوان : على الناس. هـ. ﴿واتقوا الله إن الله شديد العقاب﴾ ؛ فانتقامه أشد.
١٤١
الإشارة : قد أمر الحق ـ جلّ جلاله ـ بتعظيم عباده، وحِفظ حُرمتهم كيفما كانوا، " فالخلق كلّهم عِيال الله، وأحبّ الخلقِ إلى اللهِ أنفعُهُمْ لِعِياله "، فيجب على العبد كفّ أذاه عنهم وحمل الجفا منهم، وألاَّ ينتقم لنفسه ممَّن آذاه منهم، ولا يحمله ما أصابه منهم على أن يعتدي عليهم ولو بالدعاء، بل إن وسَع الله صدره بالمعرفة قابلهم بالإحسان، ودعا لعدوّه بصلاح حاله ؛ حتى يأخذ الله بيده، وهذا مقام الصّديقيَة العظمى والولاية الكبرى، وهذا غاية البرّ والتقوى الذي أمر الله ـ تعالى ـ بالتعاون عليه، والاجتماع إليه، دون الاجتماع على الإثم والعدوان، وهو الانتصار للنفس والانتقام من الأعداء، فإن هذا من شأن العوامّ، الذين هم في طرف مقام الإسلام. والله تعالى أعلم.