جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٤٠
و} حُرِّمَ عليكم أيضًا :﴿ما ذُبِحَ على النُّصُب﴾، وهي أحجار كانت منصوبة حول البيت، يذبحون عليها ويعدُّون ذلك قُرْبَة، وليست بالأصنام ؛ لأن الأصنام مُصَوّرة، والنُّصُب غير مُصَوَّرة، وقيل :﴿على﴾ بمعنى اللام، أي : وما ذُبِحَ للنُّصُب، والمراد كلّ ما ذُبحَ لغير الله.
﴿وأن تستقسموا بالأزلام﴾ أي : تطلبوا ما قسم لكم في الأزل من المقادير بالأزلام، جمع زلم ـ بضم الزاي وفتحها ـ وهي الأقداح على قدر السهام. وكانت في الجاهلية ثلاثة، قد كُتب على أحدها : افعل، على الآخر : لا تعفل، وعلى الثالث : مهمل، فإذا أراد الإنسان أن يعمل أمرًا جعلها في خريطة، وأدخل يده وأخرج أحدها، فإن خرج له الذي فيه " افعل " ؛ فعل ما أراد، وإن خرج الذي فيه " لا تفعل "، تركه. وإن خرج المهمل أعاد الضرب، ويقاس عليه كل ما يدخل في علم الغيب، كالقريعة والحظ والنصبة والكهانة، وشبهها.
﴿ذلكم فسق﴾، الإشارة إلى المحرمات المذكورة، أو إلى الاستقسام بالأزلام، وإنما كان فسقًا ؛ لأنه دخول في علم الغيب الذي انفرد الله به، وفيه تجسس على سر الملك، وهو حرام، ولا يعارض ما ثبت جوازه من القرعة، في أمور مخصوصة كتمييز الأنصبة في القسمة، وقد كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقترع بين نسائه "، وغير ذلك مما تفيد تطييب القلوب، دون الاطلاع على علم الغيوب. والله تعالى أعلم.