يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿فمن اضطر﴾ إلى تناول شيء من هذه المحرمات ﴿في مخمصة﴾ أي : مجاعة، حال كونه ﴿غير متجانف﴾ أي : مائل للإثم وقاصد له، بأن يأكلها تلذذًا أو متجاوزًا حد الرخصة، قيل : هو سد الرمق، وقال ابن أبي زيد : يأكل منها ويتزود، فإن استغنى عنها طرحها. هـ. فإن تناولها للضرورة ﴿فإن الله غفور﴾ له ﴿رحيم﴾ به ؛ حيث أباحها له في تلك الحالة.
الإشارة : قال بعض الحكماء : الدنيا كلها كالميتة، لا يحل منها للذاكر إلا قدر الضرورة أكلاً وشربًا وملبسًا ومركبًا، حتى يتحقق له الوصول، فما بقي لأحد حينئٍذ ما يقول، وعلامة الوصول : هو الاكتفاء بالله دون الاحتياج لشيء سواه، إن افتقر اغتنى في فقره، وإن ذل عز في ذله، وإن فقد وجد في فقده، وهكذا في تقلبات الأحوال لا يتضعضع ولا يتزلزل، ولو سقطت السماء على الأرض. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٤٢
﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ...﴾
قلت : لم يقل ماذا أحل لنا ؛ لأن ﴿يسألونك﴾ بلفظ الغيبة، وكلا الوجهين شائع في أمثاله. قاله البيضاوي.


الصفحة التالية
Icon