يقول الحقّ جلّ جلاله : وأحل لكم ﴿المحصنات﴾ أي : الحرائر ﴿من المؤمنات﴾ دون الإماء، إلا لخوف العنت، أو العفيفات دون البغايا، فإن نكاحها مكروه، ﴿و﴾ أحل لكم ﴿المحصنات﴾ أي : الحرائر ﴿من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم﴾، فأحل الله نكاح اليهودية والنصرانية الحُرتين دون إمائهم، ﴿إذا أتيتموهن أجورهن﴾ أي : أعطيتموهن مهورهن. فلا يجوز نكاح الكتابية إلا بصداق شرعي. حال كونكم ﴿محصنين﴾، أي : متعففيين عن الزنى بنكاحها، ﴿غير مسافحين﴾ أي : مجاهرين بالزنى، ﴿ولا متخذي أخدان﴾ أي : أصحاب تُسرون معهن بالزنى، والخدن : الصاحب، يقع على الذكر
١٤٧
والأنثى. والمعنى : أحللنا لكم نكاح الكتابيات، توسعة عليكم لتتعففوا عن الزنى سرًّا وجهرًا.
ولما نزل إباحة الكتابيات قال بعض الناس : كيف أتزوج من ليس على ديني ؟ فأنزل الله :﴿ومن يكفر بالإيمان﴾ أي : بشرائع الإيمان ﴿فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين﴾، ومن الكفر به إنكاره والامتناع منه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٤٥
الإشارة : قد تقدم أن علوم الحقائق أبكار، لأنها عرائس مخدّرة، مهرها النفوس، وما سواها من العلوم ثيبات وإماء ؛ لرخص مهرها، فإذا اتصل العارف بعلوم الحقائق ورسخ فيها ؛ أحل له أن ينكح المحصنات من علوم الطريقة ـ وهي مبادىء التصوف، أي : التفنن فيها مع أهلها على وجه التركيز أو التعليم، والمحصنات من علوم الشريعة إذا أعطاها مهرها ؛ من الإخلاص وقصد التوسع بها وتعليمها لأهلها، وهذه العلوم كلها مشروعة، والمشتغل بها متوجه إلى الله تعالى، ﴿قّدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ﴾ [البقرة : ٦٠]، فمن كفر بها فقد حبط عمله، وهو عند الله من الخاسرين.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٤٥


الصفحة التالية
Icon