ثم قال تعالى :﴿ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج﴾ حتى يكلفكم بالطهارة في المرض أو الفقد من غير انتقال للتيميم، ﴿ولكن يريد ليطهركم﴾ أي : ينظفكم بالماء أو بدله، أو يطهركم من الذنوب، فإن الذنوب تذهب مع صب الماء في كل عضو، كما في الحديث، ﴿وليتم نعمته عليكم﴾ بشرعه، ما هو مَطهَرَةٌ لأبدانكم، ومَكفَرَة لذنوبكم ﴿ولعلكم تشكرون﴾ نعمه فيزيدكم من فضله. الإشارة : كما أمر الحقّ جلّ جلاله بتطهير الظاهر لدخول حضرة الصلاة، التي هل محل المناجاة ومعدن المصافاة، أمر أيضًا بتطهير الباطن من لوث السهو والغفلات، فمن طهر ظاهره من الأوساخ والنجاسات، ولوّث باطنه بالوساوس والغفلات، كان بعيدًا من حضرة الصلاة ؛ إذ لا عبرة بحركة الأبدان، وإنما المطلوب حضور الجنان.
قال القشيري : وكما أن للظاهر طهارةً فللسرائر طهارة، فطهارة الظاهر بماء السماء، أي : المطر، وطهارة القلوب بماء الندم والخجل، ثم بماء الحياء والوجل،
١٤٩
ويجب غسلُ الوجه عند القيام إلى الصلاة، ويجب ـ في بيان الإشارة ـ صيانة الوجه عن التبذل للأشكال عن طلب خسائس الأغراض، وكما يجب مسحُ الرأس، يجب صونه عن التواضع لكل أحد ـ أي : في طلب الحظوظ والأعراض ـ وكما يجب غسل الرجلين في الطهارة الظاهرة، يجب صونها ـ في الطهارة الباطنة ـ عن التنقل فيما لا يجوز. هـ.
وقال عند قوله :﴿وإن كنتم جُنبًا فاطهروا﴾ : وكما يجب طهارة الأعلى، أي : الظاهر، فيقتضي غسل جميع البدن، فقد يقع للمريد فترة ـ توجب عليه الاستقصاء في الطهارة الباطنية ـ فذلك إذا لم يجد المريد مَن يفيض عليه صَوبَ همته، ويغسله ببركات إشارته، اشتغل بما يُنشر له من اقتفاء آثارهم، والاسترواح إلى ما يجد من سالف سِيرتهم، ومأثور حكياتهم. هـ.