﴿وقال الله﴾ لبني إسرائيل :﴿إني معكم﴾ بالنصر والمعونة ؛ ﴿لئن أقمتم الصلاة وأتيتم الزكاة وآمنتم برُسلي﴾ التي أرسلتُ بعد موسى ﴿وعزرتموهم﴾ أي : نصرتموهم وقويتموهم، ﴿وأقرضتم الله قرضًا حسنًا﴾ بالإنفاق في سُبُل الخير، ﴿لأكفّرنّ عنكم سيئاتكم﴾ أي : أستر عنكم ذنوبكم فلا نفضحكم بها، ﴿ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك﴾ العهد المؤكد، المعلَق عليه هذا الوعد العظيم، ﴿فقد ضلّ سواء السبيل﴾ أي : تلف عن وسط الطريق، تلفًا لا شبهة فيه ولا عذر معه، بخلاف من كفر قبل أخذ العهد ؛ فيمكن أن تكون له شبهة، ويتوهم له معذرة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٥٤
ثم إن بني إسرائيل نقضوا المواثيق التي أُخذت عليهم، فكفروا وقتلوا الأنبياء، قال تعالى :﴿فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم﴾ أي : طردناهم وأبعدناهم، أو مسخناهم، ﴿وجعلنا قلوبهم قاسية﴾ أي : يابسة صلبة لا ينفع فيها الوعظ والتذكير، أو رديَّة مغشوشة بمرض الذنوب والكفر.
ثم بيَّن نتيجة قوة قلوبهم فقال :﴿يُحرفون الكلم عن مواضعه﴾ لفظًا أو تأويلاً. ولا قسوة أعظم من الجرأة على تغيير كتاب الله وتحريفه، ﴿ونسوا حظًا مما ذُكروا به﴾ أي : تركوا نصيبًا واجبًا مما ذُكروا به من التوراة، فلو عملوا بما ذكَّرهم الله في التوراة ما نقضوا العهود وحرّفوا كلام الله من بعد ما علموه، لكن رَين الذنوب والأنهماك في المعاصي، غطت قلوبهم فقست ويبست، ﴿ولا تزال﴾ يا محمد ﴿تطلع على خائنة﴾ أي : خيانة ﴿منهم﴾ أو على طائفة خائنة منهم، لأن الخيانة والغدر من عادتهم وعادة أسلافهم، فلا تزال ترى ذلك منهم ﴿إلا قليلاً منهم﴾ لم يخونوا، وهم الذين أسلموا منهم، ﴿فاعف عنهم واصفح﴾ حتى يأتيك أمر الله فيهم، أو إن تابوا وآمنوا، أو إن عاهدوا والتزموا الجزية، ﴿إنَّ الله يحبّ المحسنين﴾ إلى عباده كيفما كانوا. ومن الإحسان إليهم : جبرهم على الإيمان بالسيف وسوقهم إلى الجنة بسلاسل الامتحان.