ثم رد عليهم بقوله :﴿قل فمن يملك من الله شيئًا﴾ أي : من يمنع من قدرته وإرادته شيئًا، ﴿إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعًا﴾، وبيان الرد عليهم : أن المسيح مقدورٌ ومقهور، قابل للفناء كسائر الممكنات، ومن كان كذلك فهو معزول عن الألوهية. ثم أزال شبهتهم بحجة أخرى فقال :﴿ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما﴾، يتصرف فيهما كيف شاء، ﴿يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير﴾ ؛ فقدرته عامة ؛ فيخلق من غير أصل ؛ كالسماوات والأرض، ومن أصل ؛ كخلق ما بينهما، وينشىء من أصل ليس هو جنسه ؛ كآدام وكثير من الحيوانات، ومن أصل يجانسه، إما من ذكر وحده ؛ كحواء، أو من أنثى وحدها : كعيسى، أو منهما ؛ كسائر الناس. قاله البيضاوي :
الإشارة : قد رُمي كثير من الأولياء المحققين بالاتحاد والحلول ؛ كابن العربي الحاتمي، وابن الفارض، وابن سبعين، والششتري والحلاج، وغيرهم ـ رضي الله عنهم عنهم ـ وهم بُرءاء منه. وسبب ذلك أنهم لما خاضوا بحار التوحيد، وكُوشفوا بأسرار التفريد، أو أسرار المعاني قائمة بالأواني، سارية في كل شيء، ماحية لكل شيء، كما قال في الحِكَم :" الأكوان ثابتة بإثباته ممحوه بأحدية ذاته " فأرادوا أن يعبروا عن تلك المعاني فضاقت عبارتهم عنها ؛ لأنه خارجة عن مدارك العقول، لا تدرك بالسطور ولا بالنقول. وإنما هي أذواق ووجدان ؛ فمن عبَّر عنها بعبارة اللسان كفَّر وزندق، وهذه المعاني هي الخمرة الأزلية التي كانت خفية لطيفة، ثم ظهرت محاسنها، وأبدت أنوارها وأسرارها، وهي أسرار الذات وأنوار الصفات، فمن عرفها وكوشف بها. اتحد عنده الوجود، وأفضى إلى مقام الشهود. وهي منزهة عن الحلول والاتحاد، إذ لا ثاني لها حتى تحل فيه أو تتحد معه، وقد أشرت إلى هذا المعنى في تائيتي الخمرية، حيث قلت :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٥٧
تَنَزَّهت عن حُكمِ الحلول في وَصفِها
فليسَ لها سِوَى في شَكلِه حَلَّتِ


الصفحة التالية
Icon