تَجَلَّت عَرُوسًا في مَرَائي جَمَالِها
وأرخَت سُتَور الكبرِياءِ لعِزَّتِي
فَمَا ظَاهِرٌ في الكَونِ غيرُ بهائها
وما احتَجَبَت إلا لَحجِب سَرِيرتِي
فمن كوشف بأسرار هذه الخمرة، لم ير مع الحق سواه. كما قال بعضُ العارفين :( لو كُلفتُ أن أرى غيره لم أستطع ؛ فإنه لا غير معه حتى أشهده ). ولو أظهرها الله تعالى
١٥٨
للكفار لوجدوا أنفسهم عابدة لله دون شيء سواه، وفي هذا المعنى يقول ابن الفارض على لسان الحقيقة :
فما قَصَدُوا غيرَه وإن كان قَصدهُم
سِوَاي وإن لم يُظهِروا عَقدَ نِيّه
والنصارى ـ دمرهم الله في مقام الفرق والضلال ـ حملهم الجهل والتقليد الرديّ على مقالاتهم التي قالوا في عيسى عليه السلام.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٥٧
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله﴾ أي : أولاد بنيه ؛ فاليهود يقولون : نحن أولاد عزير، والنصارى يقولون : نحن أشياع عيسى. أو : فينا أبناء الله ونحن أحباؤه، أو : نحن مقربون عند الله كقرب الولد من والده. وهذه دعوى ردَّها عليهم بقوله :﴿قل﴾ لهم :﴿فلِمَ يعذبكم بذنوبكم﴾، وهل رأيتم والدًا يُعذب ابنه، وقد عذبكم في الدنيا بالمسخ والقتل والذل، وقد اعترفتم أنه يعذبكم بالنار أيامًا معدودة، ﴿بل أنتم بشر ممن خلق﴾ أي : ممن خلقه الله، ﴿يغفر لمن يشاء﴾ بفضله ؛ وهو من آمن منهم بالله ورسوله، ﴿ويعذب من يشاء﴾ بعدله ؛ وهو من مات منهم على كفره، فأنتم كسائر البشر يعاملكم معاملتهم، لا مزية لكم عليهم، ﴿ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما﴾ كلها سواء في كونها ملكًا وعبيدًا الله ـ سبحانه ـ ﴿وإليه المصير﴾، فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقى.


الصفحة التالية
Icon