الإشارة : قوله تعالى :﴿فلِمَ يعذبكم بذنوبكم﴾ أي : فلو كنتم أحباءه لما عذبكم ؛ لأن الحبيب لا يعذب حبيه، حُكي عن الشبلي رضي الله عنه أنه كان إذا لبس ثوبًا جديدًا مزقه، فأراد ابن مجاهد أن يعجزه بمحضر الوزير فقال له : أين تجد في العلم فساد ما ينتفع به ؟ فقال له الشبلي : أين في العلم :﴿فَطَفِقَ مَسْحَا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ﴾ [صَ : ٣٣] ؟ فسكت، فقال له الشبلي : أنت مقرىء عند الناس، فأين في القرآن : إن الحبيب لا يعذب حبيبه ؟ فسكت ابن مجاهد، ثم قال : قل يا أبا بكر، فقرأ له الشبلي قوله تعالى :﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالْنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَآؤُاْ اللهِ وَأَحِبَّآؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم﴾ [المَائدة : ١٨]، فقال ابن مجاهد : كأني والله ما سمعتها قط. هـ.
وفي الحديث :" إذا أحَبَّ اللهُ عبدًا لاَ يضُرُّه ذَنبٌ "، ذكره في القوت. وفي المثل الشائع :( من سبقت له العناية لا تضره الجناية ). وفي الصحيح " لعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ
١٥٩
عَلَى أهلِ بَدرِ فَقَالَ : افعَلُوا مَا شِئتم فَقَد غَفَرتُ لَكم "، وسببه معلوم، وفي الوقت عن زيد بن أسلم :( إن الله ـ عز وجل ليحب حتى يبلغ من حبه له أن يقول له : اصنع ما شئت فقد غفرت لك). وفي القصد للشيخ أبي الحسن الشاذلي ـ رضي الله عنه ـ قال : يبلغ الولي مبلغًا يقال له : أصحبناك السلامة، وأسقطنا عنك الملامة، فاصنع ما شئت. هـ.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٥٩
وليس معناه إباحة الذنوب، ولكنه لمّا أحبه عصمه أو حفظه، وإذا قضى عليه بشيء ألهمه التوبة، وهي ماحية للذنوب، وصاحبها محبوب، قال تعالى :﴿إن الله يحب التوابين﴾. والله تعالى أعلم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٥٩


الصفحة التالية
Icon