﴿قال رجلان﴾ ؛ كالب بن يوقنّا، ويوشع بن نون ـ ابن آخت موسى وخادمه ـ ﴿من الذين يخافون﴾ الله، أو رجلان من الجبابرة أسلما وصارا إلى موسى، وعليه قراءة ﴿يُخافان﴾ بضم الياء، ﴿أنعم الله عليهما﴾ بالإسلام والتثبت، قالا :﴿ادخلوا عليهم الباب﴾ أي : باب المدينة، أي : باغِتوهم بالقتال، ﴿فإذا دخلتموه فإنكم غالبون﴾ أي : ظاهرون عليهم، فإنهم أجسام لا قلوب فيها. يحتمل أن يكون علمهما بذلك من قِبل موسى، أو من قوله تعالى :﴿التي كتب الله لكم﴾، أو من عادته سبحانه في نصر رسله وأوليائه، وما عَهِدا من صنيعه تعالى مع موسى من قهر أعدائه. ثم قال :﴿وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين﴾ به، ومصدقين لوعده.
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٦٢
قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدًا ما داموا فيها﴾
، وهذا من تعنتهم وعصيانهم، وأشنعُ منه قولهم :﴿فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون﴾، قالوه استهزاء بالله ورسوله وعدم مبالاة بهما، وانظر فضيلة الأمة المحمدية، وكمال أدبها مع نبيها ـ عليه الصلاة والسلام ـ فإن النبي ﷺ قال يوم الحديبية لأصحابه حين صُد عن البيت : إني ذاهب بالهدي فناحِرُه عند البيت، فقال المقداد بنُ الأسود : أما والله ما تقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى :﴿فاذهب أنت وربك فقَاتلا إنا هآهنا قاعدون﴾، ولكن نقاتل عن يمينك وشمالك، ومن بين يديك من خلفك، ولو خُضت البحر لخضناه معك، ولو تسنَمت جبلاً لعلوناه معك، ولو ذهبت بنا إلى بَرك الغماد لتبعناك، فلما سمعها أصحاب النبي ﷺ تابعوه على ذلك فَسُرَ ﷺ وأشرق وجهه. هـ.
ولما سمع موسى مقالة قومه له غضب، ودعا ربه فقال :﴿ربّ إني لا أملك إلا نفسي وأخي﴾ أي : لا أثق إلا بنفسي وأخي، ولا قدرة لي على غيرهما، والرجلان المذكوران، وإن كانا موافقين له، لكنه لم يوثق عليهما، لما كبد من تلوّن قومه، ثم دعا
١٦٣


الصفحة التالية
Icon