الإشارة : يقول الحقّ جلّ جلاله للمتوجهين إليه من المريدين : ادخلوا الحضرة المقدسة التي كتب الله لكم، إن دمتم على جهاد أنفسكم، وصدقتم في طلب ربكم، وبقيتم في تربية شيوخكم، ولا ترتدوا على أدباركم بالرجوع عن صحبة شيوخكم من الملل مع طول الأمل، قتنقلبوا خاسرين، فإن حضرتي محفوفة بالمكاره، والطريقة الموصلة إليها مرصودة للقواطع والعوائق، فإن كان ممن لم يكتب له فيها نصيب، قال : لن ندخلها أبدًا ما دام القواطع فيها، ورجع على عقبيه، يتيه في مهامه شكوكه وأوهامه، وإن كان ممن سبقت له العناية وحقت به الرعاية قال :﴿ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين﴾، فيبادر إلى قتل نفسه، من غير تأن ولا خوف ولا فزع، فحضرة التحقيق لا ينالها إلا الشجعان، ولا يسكنها إلا الأكابر من أهل العرفان وإلى ذلك أشار صاحب العينية بقوله :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٦٢
وإيَّاك جَزعًا لا يَهُولُكَ أمرُهَا
فَمَا نَالَهَا إلا الشُّجاعُ المُقّارعُ
وقال الورتجبي في قوله تعالى :﴿لا أملك إلا نفسي وأخي﴾ : من بلغ عين التمكين ملك نفسه وملك نفوس المريدين ؛ لأنه عرفها بمعرفة الله، وقمعها من الله بسلطان سائس قاهر، من نظر إليه يفزع من الله، ولا يطيق عصيانه ظاهرًا وباطنًا، فأخبر عليه السلام عن محلّ تمكينه وقدرته على نفسه ونفس أخيه، وأعلمنا أن بينهما اتحادًا، بحيث إنه إذا حكم على نفسه صار نفس أخيه مطمئنة طائعة لله بالانفعال. قال ﷺ :" المؤمنون كنفس واحدة ".
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٦٢
قلت : الضمير في ﴿عليهم﴾ : لبني إسرائيل ؛ لتقدم شأنهم، ولاختصاصهم بعلم قصة بني ابني آدم، ولإقامة الحجة عليهم بهمهم ببسط اليد إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
١٦٥


الصفحة التالية
Icon