وكان قابيل صاحب زرع، فقرَّب حِملاً من زرع رديء، وأضمر في نفسه : لا أُبالي قُبل أو لا، لا يتزوج أختي أبدًا، وكان هابيل صاحب غنم، فقرّب أحسن كبش عنده، وأضمر في نفسه الرضا لله تعالى، وكانت العادة حينئٍذ أن تنزل نارٌ من السماء فتأكل القربان المقبول، وإن لم يقبل لم تنزل، فنزلت نار من السماء فأكلت قربان هابيل، وتركت قربان قابيل، فحسده، وقال له :﴿لأقتلنك﴾، حسدًا على تقبل قربانه دونه، فقال له أخوه :﴿إنما يتقبل الله من المتقين﴾ الكفر، أي : إنما أُوتيت من قبل نفسك بترك التقوى، لا من قِبلي، فِلمَ تقتلني ؟
قال البيضاوي : وفيه إشارة إلى أن الحاسد ينبغي أن يرى حرمانه من تقصيره، ويجتهد في تحصيل ما به صار المحسود محظوظًا، لا في إزالة حظه، فإن ذلك مما يضره ولا ينفعه، وأن الطاعة لا تقبل إلا من مؤمن متقي. هـ. وفيه نظر : فإن تقوى المعاصي ليست شرطًا في قبول الأعمال بإجماع أهل السنة، إلا أن يحمل على تقوى الرياء والعجب. انظر الحاشية.
١٦٦
ثم قال له أخوه هابيل :﴿لئن بسطت إليَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسطٍ يَدِيَ إليك لأقتلك إني أخاف الله ربّ العالمين﴾ أي : لئن بدأتني بالقتل لم أبدأك به، أو لم أدفعك عني، وهل تركه للدفع تورع، وهو الظاهر أو كان واجبًا عندهم، وهو قول مجاهد ؟ وأما في شرعنا : فيجوز الدفع، بل يجب، قاله ابن جزي. وقال البيضاوي : قيل : كان هابيل أقوى منه، فتحرج عن قتله، واستسلم له خوفًا من الله، لأن الدفع لم يُبح بعدُ، أو تحريًا لِمَا هو الأفضل. قال ﷺ :" كُن عبدَ الله المقتُول، ولا تكُن عبدَ الله القاتل " وإنما قال :﴿ما أنا بباسط﴾ في جواب ﴿لئن بسطت﴾ ؛ للتبري من هذا الفعل الشنيع، والتحرز من أن يوصف به، ولذلك أكد النفي بالباء. هـ.


الصفحة التالية
Icon